للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقاله، أو بأحدهما دون الآخر، وسواء كان طامعاً في دنيا ينالها من المشركين أم لا، فهو كافر على كل حال، إلا المكره، وهو في لغتنا: المغصوب. فإذا أكره إنسان على الكفر، أو قيل له: اكفر وإلا قتلناك، أو ضربناك، أو أخذه المشركون فضربوه، ولم يمكنه التخلص إلا بموافقتهم، جاز له موافقتهم في الظاهر، بشرط أن يكون قلبه مطمئناً بالإيمان، أي: ثابتاً عليه معتقداً له، فأما إن وافقهم بقلبه، فهو كافر ولو كان مكرهاً. وظاهر كلام أحمد: أنه في الصورة الأولى، لا يكون مكرهاً حتى يعذبه المشركون، فإنه لما دخل عليه يحيى بن معين وهو مريض، فسلم عليه فلم يرد عليه السلام، فما زال يعتذر ويقول حديث عمار، وقال الله: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ} [سورة النحل آية: ١٠٦] ، فقلب أحمد وجهه إلى الجانب الآخر، فقال يحيى: لا يقبل عذراً. فلما خرج يحيى، قال أحمد: يحتج بحديث عمار، وحديث عمار: "مررت بهم وهم يسبونك، فنهيتهم فضربوني"، وأنتم، قيل لكم: نريد أن نضربكم. فقال يحيى: والله ما رأيت تحت أديم السماء أفقه في دين الله منك.

ثم أخبر تعالى: أن هؤلاء المرتدين الشارحين صدورهم بالكفر، وإن كانوا يقطعون على الحق، ويقولون: ما فعلنا هذا إلا خوفاً، فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم.

<<  <  ج: ص:  >  >>