العصر، فوقف عليه وقال له "ألم نهيتكم عن العمل بالنهار" فقال له الشيخ "يا أمير المؤمنين أما كان الناس يسهرون بالليل، وهذا من جملة السهر" فتبسم وتركه، ثم أعاد الناس إلى حالهم الأول وفتح الأسواق بالنهار.
وذكر ابن بكار (١) فى تاريخه عند سيرة الحاكم. قيل إن الحاكم كان يعبد الكواكب كما كان جده المعز، واشتغل بأمر المطالب، قيل إنه وجد فى بعض المطالب شخصا من حجر مجوف فيه روحانى موكل به، فكان ينطق كما ينطق بنى آدم، فكان من فوائد هذا الشخص أنه يظهر الضائع، ويخبر عن المكان الذى فيه الضائع. فأمر الحاكم بإشهار النداء فى القاهرة ومصر بأن أحدا لا يقفل له باب ولا دكان، ولا يعمل عليها ضبة ولا قفلا وكل من ضاع به شئ فهو فى درك الحاكم، فامتثلوا أمره.
فلما باتوا تلك الليلة سرق من القاهرة ومصر أربعمائة عملة، فأصبح الناس يستغيثون تحت قصر الحاكم. فقال الحاكم ما الخبر؟ فقال الوزير: يا أمير المؤمنين إن اللصوص قد سرقوا فى هذه الليلة أربعمائة عملة، حين امتثل الناس أمرك وتركوا أبوابهم مفتحة فقال الحاكم:"لا بأس عليهم". ونادى كل من ضاع له شئ، يحضر بين يدى الحاكم فحضر أصحاب الضوائع جميعهم، واحضر ذلك الشخص الحجر ويقولون له يا أبا الهول قد ضاع لنا ما هو كيت وكيت.
فيقول أبو الهول:"أخذ متاعك فلان بن فلان وهو فى المكان الفلانى فى الحارة الفلانية" فيمضى جماعة من عند الحاكم ويحضرون بالضائع وأخذ ما سرقه، فما رأيت يحضر لكل شخص ما ضاع له حتى رد جميع ما سرق فى تلك الليلة لأصحابه، ثم أمر بشنق اللصوص جميعهم، ونادى فى القاهرة "رحم الله من رأى العبرة من غيره، واعتبر". ثم صارت الدكاكين والبيوت بعد ذلك مفتحة ليلا ونهارا لا يذهب لأحد من الناس شئ وأمن الناس فى أيامه من اللصوص حتى كان يقع من الإنسان الدرهم الفلوس، فلا يجسر أحد على أخذه من الأرض حتى يمر صاحبه ويأخذه ولو بعد حين.