المجتهدين قبلته شرعية، وإن كانت مخالفة لاجتهاد الآخر، فتعدد القبلة الشرعية لا يعني تعدد الصواب، فلا نامت أعين المتشنجين من الخلاف الفقهي، و ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾، و ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَ﴾.
ومثله دخول رمضان إذا حال معه غيم أو قتر، فإننا نكمل عدة شعبان، وإن كان فيه احتمال أن يكون الشهر قد دخل، فالناس معنيون بدخول الشهر الشرعي، إذا تعذر الدخول الحسي. وقل مثل ذلك في كل مسائل الاجتهاد، فالتكليف في حق الإمام قد يختلف عما هو في حق المأموم، فإذا أدى كل واحد منهما ما يعتقد أنه يلزمه شرعًا صح اقتداء أحدهما بالآخر.
ونوقش:
بأن المجتهدين إذا اختلفا في القبلة فلكل قبلته حتى لو قلنا: يصح الاقتداء به لم يتبعه في قبلته.
ورد:
بأنه ليس المطلوب أن يترك المأموم اجتهاده، فلا يترك ما يعتقده فرضًا، ولا يفعل ما يراه مفسدًا؛ لاجتهاد غيره، وإنما البحث في صحة الاقتداء به، فإذا مس الحنفي ذكره لم يمنع الشافعي والحنبلي من الاقتداء به، وإن كان الشافعي والحنبلي لو مس أحدهما فرجه فسدت صلاته عملًا باعتقاده، وهو لا يلزم الإمام.
الدليل الرابع:
الخلاف الفقهي لم يعصم منه أحد، وهو قدر كوني وشرعي، وإذا كان المخالف متأولًا، وهو من أهل العلم أو كان فرضه التقليد، وقد تقلد قول إمام من أئمة المسلمين لم يمنع ذلك من صحة الاقتداء به، فمنع الاقتداء بسبب الاجتهاد، وأكثر المسائل الفقهية خلافية يؤدي إلى انقسام المجتمع، وتعدد المحاريب، وهي بدعة لم تعرف في الصدر الأول، ولقد كان في عهد قريب أربعة محاريب في المسجد الحرام يصلي فيها أربعة من الأئمة، ولكل منهم جماعة ينتظرون الصلاة معه، وكأنهم أصحاب