للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد طلب بعض الصحابة الموت، وبعض الناس دعا على نفسه بالعمى خوفًا وحياءً من رب السماء.

روي في «الصحيح»: أن رجلًا وامرأةً شهدا على أنفسهما بالزِّنى عند النبي فرُجما وماتا إلى رحمة الله تعالى (١). وهذه صفات المشتاقين، قال المولى: ﴿فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الجمعة: ٦]. من عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل.

ثم اعلم بأن الكافر لا يتمنى الموت لأجل كفره، ولقد قال لليهود: «أنتم تزعمون أنكم أبناء الله وأحباؤه فتمنوا الموت إن كنتم صادقين». ثم قال: «والذي نفسي بيده لن يتمناه أحد منكم إلا غصَّ بريقه» (٢) فلم يتمنَّه أحدٌ منهم. قال الله تعالى: ﴿وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ


=رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١١٧) وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١١٨) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (١١٩)﴾ [التوبة ١١٧ - ١١٩] قال كعب: فوالله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد أن هداني أعظم في نفسي من صدقي رسول الله يومئذ أن لا أكون كذبته؛ فأهلك كما هلك الذين كذبوه حين كذبوه، فإن الله قال للذين كذبوه حين كذبوه شرَّ ما يقال لأحد، فقال الله تعالى ﴿سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٩٥) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (٩٦)﴾ [التوبة ٩٥ - ٩٦] قال: وكنا خلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله حين حلفوا فبايعهم واستغفر لهم، فأرجأ رسول الله أمرنا حتى قضى الله تعالى، فبذلك قال الله تعالى: ﴿وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا﴾ [التوبة: ١١٨]، وليس تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا الذي ذكر مما خلفنا بتخلفنا عن الغزو؛ وإنما هو عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه.
(١) أخرجه مسلم في «صحيحه» (١٦٩٥)، وأبو داود في «سننه» (٤٤٣٣)، والنسائي في «الكبرى» (٧١٨٦) عن سليمان بن بريدة، عن أبيه.
(٢) أخرجه البيهقي في «دلائل النبوة» ٦/ ٢٧٤ من حديث ابن عباس مرفوعًا.
وقال العراقي في «المغني عن حمل الأسفار» ١/ ٦٩٢: إسناده ضعيف.
وأخرجه الطبري في «تفسيره» ٢/ ٣٦٣ عن ابن عباس موقوفًا.
وأخرج أبو يعلى في «المسند» (٢٦٠٤) من طريق عبد الله بن جعفر، قال: حدثنا =

<<  <  ج: ص:  >  >>