للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والآدمي ضعيف، ويصحب شيطانًا من شياطين الإنس، فيزين له القبيح ظاهرًا، وشيطان الجن باطنًا، فيوقعانه في البدع والمخالفة، فيبعده الله من رحمته فتهلك هذه النفس الخبيثة التالفة؛ لأن النفس خبيثة، ثقيلة. ولذلك يعصي الله تعالى ويخالف أوامره الجليلة، فيصحب ثقيلًا آخر، فتصير نفسه فاجرة، وينسى الله تعالى والدار الآخرة.

قال بعض العلماء: اطلعت على ثمانية آلاف عيب في نفس ابن آدم، فهي مأوى كل شرٍّ، مشُومة (١) في الطاعة، فكيف إذا عصت؟ كثيرة الخداع والتلون، تفرحك بالطاعة في أول النهار، وتحزنك بالمعصية في آخره، تراها في وقت رجعت إلى الله تعالى تائبةً، وفي وقت قد أعرضت مدبرةً هاربةً؛ كثيرة الألوان، أكثر تلونًا من حرباء. وأروغ من ثعلب، وأنوم من فهد، وأدْخَس (٢) من حمار، هذا بعض صفاتها، ولا يعلم حقيقتها إلا الله تعالى الواحد القهار، خالقها وموجدها (٣).

وقد أخبر عنها بقوله تعالى: ﴿إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ﴾ [يوسف: ٥٣]، ﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ [فاطر: ١٤]. تجرها للطاعة تجرك للمعصية، تحب ما يبغضه الله تعالى وتكره ما يحبه الله، وهي قرينة الشيطان؛ تتكاسل في الطاعة، وتسارع في العصيان. تراها في الشبع كالسبع الكثيف، وفي الجوع كالطفل الضعيف. وفي الغضب مثل الملوك والجبابرة. وفي الشهوة مثل البهيمة، وفي الخوف مثل الهرة، وفي الأمن مثل النمر والأسد. ومن سوء عادتها تخاف الفقر ولا تخاف الله تعالى وأليم عذابه، وهي مسخرة


(١) كذا، وأصلها: مشؤومة. أي تجرُّ الشؤم.
(٢) دخس لحمه دخسًا اكتنز، أصابه الدخس فهو دخس. ويقال: فرس دخس به عيب. انظر: «المعجم الوسيط» ١/ ٢٧٤.
(٣) لم أجده.

<<  <  ج: ص:  >  >>