من كان على أبوابهم من الرسل والوكلاء، فاضطربت أحوال النواب والشهود والقضاة قاطبة، وضاق الأمر على الناس أجمعين.
وفي يوم الجمعة سابع عشرية، وقعت حادثة مهولة، وهي أن ملك الأمراء أرسل خلف الشهابي أحمد بن الجيعان شاويشا، فلما حضر بين يديه، بطحه على الأرض وضربه ضربا مبرحا حتى قيل تبدل عليه خمسة وعشرون نوبة يضربونه بالعصى.
ثم إنه طلب القاضي شرف الدين الصغير كاتب المماليك - وكان مريضا ملازم الفراش وعينه موجوعة - ولما أرسل خلفه اعتذر بأنه قد شرب دواء وهو مريض. فحنق منه ملك الأمراء فأرسل إليه أربعة شاويشية، فحملوه من فراشه وأركبوه غصبا، فلما طلع إلى القلعة ووقف بين يدي ملك الأمراء بطحة إلى الأرض وضربه ضربا مبرا حتى قيل تبدل عليه خمسة وعشرون نوبة، وهو يقول للمماليك الذين يضربونه:"اضربوه قوى هذا عدوكم الأكبر" فضربوه حتى كاد أن يموت ويهلك.
ثم طلب القاضي شرف الدين بن عوض، فلما حضر بطحة على الأرض وضربه ضربا مبرحا دون صرب الشهابي أحمد بن الجيعان.
ثم طلب محيي الدين بن أبي أصبع وهم بضربه، فشهد له الأمير برسباي الحازندار أنه غلق ما عليه من التقسيط، فأقامه ولم يضربه في ذلك اليوم.
ثم رسم ملك الأمراء بسجن الجميع في العرقانة فسجنوا فيها، وقمد خرب بيت أولاد الجيعان عن آخره. وقد اشتد غضب ملك الأمراء على المباشرين في ذلك اليوم، وكان يوما مشهودا بالنكد عليهم قاطبة، وقيل: لم يسجن بالعرقانة سوى القاضي شرف الدين الصغير، وسجن الشهابي أحمد بن الجيعان وابن عوض عند باب الحوش إلى أن يكون من أمرهما ما يكون.
وأقول أن أولاد الجيعان قد خدموا سبعة عشر سلطانا وباشروا ديوان الجيش وكتابة الخزانة في أوائل دولة الأشرف برسباي، وكان أول اشتهارهم وظهورهم في دولة الملك المؤيد شيخ، وذلك نحو مائة وعشرين سنة، فلما أهينوا فيها قط ولا ضربوا ولا صودروا ولا جرى عليهم قط تشويش، وهم لي كل دولة معظمون مكرمون، وما تبهدلوا قط، وما جرى عليهم مثل ما جرى على الشهابي أحمد هذا، وكانت السلاطين تعظمهم غاية التعظيم إلى غاية دولة الأشرف الغوري.
وفيه وقعت حادثة غريبة، وهي أن شخصا من تجار الروم بخان الخليلي يقال له الخواجا محمود العجمي التبريزي، وهو في سعة من المال، وكان يقرض أعيان المباشرين المال بالفوائد الجزيلة، ويأخذ الربا من الناس على القرض ولا سيما المحتاج