وفي رجب وكان مستهله يوم الاثنين، في يوم الأربعاء ثالثة، توفي القاضي رضي الدين الحلبي الموقع، وكان شابا حسن الشكل والهيئة. وكان من أخصاء القاضي كاتب السر محمود ابن أجا، وكان من أعيان الموقعين، وكان من جملة أصحابنا رحمة الله عليه. وكان له مدة وهو متوعك في جسده، وكان تعين إلى سفر إسطنبول فمرض عقيب ذلك. فدخل إنكشاري من العثمانية فرآه مريضا، فقال له: اخرج في هذا اليوم وسافر. فقال له:
لا أستطيع القيام، فحمله العثماني بالنطع الذي تحته، وأراد أن يخرجه من الباب، فدخلوا عليه ودفعوا له سبع أشرفيات حتى تركه ومضى. فمات تلك الليلة من الرجفة التي حصلت له.
وفي يوم الخميس رابعة خرج إلى السفر ابن السيد الشريف بركات أمير مكة، فتوجه إلى وطاقه الذي بالريدانية، فكان له موكب افل، وخلع عليه السلطان قفطان تماسيح مذهب، وقدامه الرماة بالنفط. وخرج صحبته غالب الحجازيين الذين كانوا بالقاهرة، وقد أشار عليه السلطان بأن الحجازيين الذين بالقاهرة تخرج صحبته إلى إسطنبول.
وأشيع أن السلطان سليم شاه كتب مراسيم للسيد الشريف بركات أمير مكة بأن يكون عوضا عن الباشا الذي بها، وجعله هو المتصرف في أمر مكة قاطبة. وأضاف له نظر الحسبة بمكة أيضا، وأنصفه غاية الإنصاف. وتزايدت عظمة السيد بركات الشريف إلى الغاية، وأكرم ولده غاية الإكرام.
وفيه ترافع جماعة من المباشرين مع بعضهم، وانتبذ إلى عمل حسابهم الزيني بركات بن موسى، وألزمهم بالعودة إلى البلاد ثانيا ليغلقوا ما كان بقي عليهم من الخراج في البلاد فإنهم كانوا أرسلوا خلفهم بالاستعجال إلى سفر إسطنبول.
وفي أثناء هذا الشهر توفي القاضي ناصر الدين محمد بن العمري، موقع الأمير يشبك الدوادار، وكان من المعمرين في الأرض.
ومن الحوادث أن الدفتردار أوقف المناشير التي في يد أولاد الناس بسبب إقطاعاتهم، ولم يمض غير الأوقاف والرزق التي بالمكاتيب، والمربعات الجيشية فقط. فحصل لأولاد الناس غاية الضرر بسبب ذلك، ووضع المباشرون أيديهم على خراجهم، وراح عليهم الحراج في هذه السنة بين الفلاحين والمباشرين.
وفي يوم الأربعاء عاشر رجب حضر شيخ العرب أحمد بن بقر، وقد أرسل إليه ابن عثمان أمانا بالحضور، فحضر وقابل يونس باشا وبقية الوزراء، وكان له مدة وهو عاص في وادي العباسة، ومعه جماعة من المماليك الجراكسة، وكان يحسن إليهم بالعليق وغير ذلك من القوت.