لجماعة مخصوصة من المماليك، فأعطى لمماليكه الجلبان لكل واحد منهم خمسين دينارا، وأعطى مثل ذلك للمماليك الأشرفية القايتبيهية الشباب أصحاب الدقون السود دون الشيوخ، ولم يعط المماليك القرانصة الشيوخ شيئا، ولا المماليك السيفية شيئا، ولا أولاد الناس شيئا، ولا أصحاب الطبقة الخامسة التي تجددت، فحصل للعسكر في ذلك اليوم كسر خاطر إلى الغاية، وقيل أن بعض المماليك وقف إليه بسبب النفقة وأغلظ عليه في الكلام، فرسم بقطع جامكيته في ذلك اليوم ولو زاد عليه لرسم بنفيه أيضا، فلما جرى ذلك اعتبر بقية المماليك عن طلب النفقة.
وفي ذلك اليوم نادى السلطان في القاهرة بأن لا مملوكا يركب في سرج بداوي ولا ركب بداوي ولا يتخلل بإحرام صوف أبيض ولا يغطى وجهه إذا ركب، ولا مملوك ولا غلام ولا عبد يخرج من بعد العشاء، وصار يكرر هذه المناداة يومين موالية، فشق على المماليك هذه المناداة وكانوا قد زادوا في الضرر الناس.
ثم إن جماعة من المماليك توجهوا إلى الأمير طومان باي الدوادار ليكلم السلطان في أمر النفقة على بقية المماليك، فلما كلمه لم يفد من كلامه شيئا، واستمر السلطان باقيا على عدم النفقة على المماليك الشيوخ والعواجز، فما وسعهم إلا الصبر والسكوت عن ذلك، فكان كما يقال في المعنى:
أنفقت عمري وصحتي شغفا … عليك والصبر آخر النفقة
وفي أثناء هذا الشهر حضر الأمير إينال باي دوادار سكين وكان توجه إلى حلب بسبب مجيء العسكر وغير ذلك من الأشغال السلطانية، وحضر الأمير خاير بيك المعمار، وكان توجه إلى العقبة بسبب إصلاح العراقيب التي بطريق العقبة لأجل خوند وابن السلطان قبل أن يجوا إلى العقبة.
وفي هذا الشهر كثر الدعاء من المماليك القرانصة على السلطان بسبب منعه لهم من النفقة.
وفي يوم الأربعاء تاسع عشرة أرسل السلطان خلف قاضي القضاة الشافعي محيي الدين بن النقيب المنفصل، فتوجه إليه بعض مهاترة الطشتخاناه، وفلما طلع به أرسل السلطان يقول له:"أورد ثلاث آلاف دينار وتول وظيفتك على العادة". فأرسل يقول للسلطان:"ما معي حاضرا غير ألف وخمسمائة دينار فولوني وقسطوا الباقي على كل شهر مائتا دينار". فما رضى السلطان بذلك وانفصل المجلس مانعا، فلما نزل ابن النقيب من عند السلطان أتى إليه الزيني بركات بن موسى، فأخذه من المدرسة الناصرية، وأركبه على حمار وتوجه به إلى داره ورسم عليه حتى يرد ثلاثة آلاف دينار أن ولي أو لا يلي،