وفى رمضان كان مستهلّه يوم الأربعاء، فطلع الخليفة والقضاة الأربعة للتهنئة بالشهر، وجلس السلطان فى الميدان وأعرض عليه الوزير يوسف البدرى اللحم والخبز والدقيق والسكّر والغنم وغير ذلك، على جارى العادة، وهو مزفوف على رؤوس الحمّالين، فأخلع الوزير على الزينى بركات بن موسى المحتسب ونزلا من القلعة فى موكب حافل. - وفى أوائل هذا الشهر عزّ وجود الحطب قاطبة، وصار الناس يقدون الجلّة والكرس وقشّ الغيطان، وتعطّلت مطابخ الأمراء بسبب ذلك ولا سيما فى رمضان، واستمرّ الحال على ذلك إلى أواخر الشهر. - وفى يوم الخميس ثانى رمضان حضر إلى الأبواب الشريفة قاصد من عند ملك الهند، وصحبته فيلان عظيما الخلقة (١)، وعليهما بركستوانات مخمل أحمر بمسامير كف، وعلى ظهورهما صناجق، وعلى أنيابهما غلوف من الفولاذ، فرجّت لهما القاهرة لما دخلوا، وكان السلطان فى الميدان فعرضوا عليه وقدّامهما الطبول والزمور، فتسارعا الفيلان قدّام السلطان فى الميدان، وانشرح فى ذلك اليوم إلى الغاية، ثم رسم بأن يتوجهوا بهما إلى بيت الأتابكى تمراز الذى عند القبو فأقاما به، وحضر صحبة القاصد أولاد الخواجا عيسى القارى الذى توفى بمكة، فقرّر عليهما مائة ألف دينار، فتشكّوا من ذلك فحلف بحقّ رأسه ما يأخذ منهم إلا مائتى ألف دينار، فرجعوا من عنده وهم فى أسوأ حال. - وفى يوم الأربعاء ثامنه نزل السلطان وتوجّه إلى نحو المطعم الذى بالريدانية وجلس على المصطبة التى هناك، وأطلقوا قدّامه الكلاب والصقورة والفهودة، وانشرح فى ذلك اليوم، ثم عاد إلى القلعة من يومه. - وفى يوم الخميس تاسعه أخلع السلطان على المقرّ السيفى طومان باى أمير دوادار وقرّره متحدّثا على ديوان الوزارة والأستادارية وسائر الدواوين قاطبة، وأشيع أنه بقى نظام المملكة، فتضاعفت عظمته جدّا، واجتمع فيه عدّة وظائف سنية ولا سيما لكونه قرابة السلطان، فلما نزل من القلعة كان له يوم مشهود، ونزل صحبته سائر الأمراء وأرباب الدولة حتى الأفيال