للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: فقد قابل اللغو بالمنعقد بقوله تعالى: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ﴾ [المائدة: ٨٩]، فإذا كانت هذه اليمين ليست بلغو كانت منعقدة (١).

قيل: إنما يكون هذا إذا ثبت أنه لا قسم لليمين إلا في قسمين، فإما قسم اليمين عندنا ثلاثة أقسام، فلا يصح ما قالوه كما أن إذا قلنا هذا قيل ليس بخطأ، لم يجب أن يكون عمدًا؛ لأن القتل عمد وشبه عمد وخطأ فإذا انتفى عنه الخطأ لم يثبت العمد، فيمين اللغو لا مأثم فيها ولا كفارة ويمين الغموس فيها مأثم ولا كفارة فيها (٢)، وهو قوله: ﴿وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٥] المراد به: مؤاخذة المأثم ويمين منعقدة ففيها الكفارة ولا يأثم وهو قوله: ﴿وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ﴾ [المائدة:٨٩].

المراد به: الكفارة.

بدليل: أنها تجب فيما لا ما ثم فيه (٣).

واحتج بأنه خالف بين قوله وفعله في يمين مقصوده أشبه اليمين المعقودة (٤).

والجواب: أنا لا نسلم المخالفة؛ لأن المخالفة تكون إذا عقد على المستقبل فأما الماضي فهو مخبر بالكذب ولا يقال حالف وحكي أن القتبي ذكر ذلك في باب ما يضعه الناس في غير موضعه وينتقض به إذا فعله على وجه النسيان وبالمولي إذا فاء لا كفارة عليه عندهم مع وجود الأوصاف والمعنى في الأصل أنها يمين على المستقبل وليس كذلك في مسألتنا؛ لأنها يمين على الماضي أشبه اللغو وإن شئت قلت المعنى في الأصل أن حنثها يتأخر عنها فيصير تاركًا لما لزمه من حفظ حرمة الاسم وليس كذلك ههنا؛ لأن حنثها قارنها فمنع انعقادها (٥).


(١) ينظر: أسنى المطالب في شرح روض الطالب (٤/ ٢٤٠)، الإقناع (١/ ١٨٩)، التنبيه في فقه الشافعي (١/ ١٩٩)، الحاوي (١٥/ ٢٦٧)، المجموع (١٨/ ١٠).
(٢) ينظر: الاستذكار (٥/ ١٧٢)، الفواكه الدواني (٢/ ٩١٦).
(٣) ينظر: المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين (٣/ ٤٤)، الروض المربع (١/ ٤٩٦)، كشاف القناع (٦/ ١٢١).
(٤) ينظر: الإقناع (١/ ١٨٩)، التنبيه في فقه الشافعي (١/ ١٩٩)، الحاوي (١٥/ ٢٦٧)، المجموع (١٨/ ١٠).
(٥) ينظر: شرح منتهى الإرادات (٣/ ٤٤٣)، المحرر (٢/ ١٩٧)، الروض المربع (١/ ٤٩٦)، كشاف القناع (٦/ ١٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>