نومهم، وفطرهم، يرجح بما يقع من أهل البدع من قيام وصيام على غير هدى وسنة. قوله:"ولمثقال ذرة من بر، مع تقوى، ويقين، أعظم، وأفضل، وأرجح، من عبادة المغترين" إذا صدق العبد مع ربه، وصفا قلبه، وتخلصت نفسه من الشوائب، صار ثواب عباداته، وإن قلَّت، مضاعفاً كبيراً، ومباركاً زكياً. وإذا شاب قلبه شوائب البدع، والتاث بلوثات المتكلمين، وأهل الأهواء، فإنَّه، وإن اجتهد في العبادة، لا يذوق حلاوة الإيمان، ولا يجد طعمها؛ فقليل المتبع، خير من كثير المبتدع، فخير ما نصح العاقل نفسه هو أن ينقي قلبه من شوائب البدعة، ويخلصها من لوثة الشرك، ويسلم وجهه لله رب العالمين، حينئذٍ يكون عمله وإن قلّ مباركاً.
ومن شواهد هذا المعنى الشريف، حديث صاحب البطاقة الذي أخبر عنه النبي ﷺ:«يُصَاحُ بِرَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُؤوسِ الْخَلَائِقِ، فَيُنْشَرُ علَيه تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ سِجِلًّا، كُلُّ سِجِلٍّ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ ﷿: هَلْ تُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟ فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ. فَيَقُولُ: أَظَلَمَتْكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ؟ فيقول: لا، يا رب، ثُمَّ يَقُولُ: أَلَكَ عذر، ألِكَ حَسَنَةٌ؟ فَيَهَابُ الرَّجُلُ، فَيَقُولُ: لَا. فَيَقُولُ: بَلَى، إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَاتٍ، وَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ، فَتُخْرَجُ لَهُ بِطَاقَةٌ، فِيهَا: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ: فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ. فَيَقُولُ: إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ. فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كِفَّةٍ وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ، فَطَاشَتْ السِّجِلَّاتُ، وَثَقُلَتْ الْبِطَاقَةُ"»(١)، أرأيتم فضل التوحيد والإيمان فإنه لما كان محققاً للتوحيد، وفرط منه شيء من المعاصي، رجح توحيده بها، حتى أنَّها طاشت بجنب ثقل التوحيد.
فعلينا أن نحرص على أن نخلِّص قلوبنا من الشوائب، والعوالق،
(١) أخرجه ابن ماجه في كتاب الزهد، باب ما يرجى من رحمة الله يوم القيامة برقم (٤٣٠٠) والترمذي ت شاكر في أبواب الإيمان، باب ما جاء فيمن يموت وهو يشهد أن لا إله إلا الله برقم (٢٦٣٩) وأحمد ط الرسالة برقم (٦٩٩٤) وقال محققو المسند: "إسناده قوي" وصححه الألباني.