للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولأبي عَمرو حجَّةٌ أخرى: وذلِكَ أنَّه سمعَ حديثَ عُثمان، وعائِشة إنَّا لنجدُ في مصاحِفِكُم لَحْنًا، وسَتُقِيْمُهُ العربُ بألْسِنَتِهَا.

فإن سأل سائلٌ: كيف لعُثمان، وهو إمامٌ أنْ يَرى لَحْنًا في المُصْحَفِ فلا يُغَيِّرْهُ.

فالجوابُ: في ذَلِكَ: أنَّ اللَّحن عَلَى ثلاثةِ أوجهٍ:

فأحدُ ذَلِكَ أن تنصب الفاعل، وترفع المفعول، ونحو المفعولَ، ونحو ذَلِكَ، فذلك لا يجوزُ في كلامٍ ولا قرآن، ولا غيره.

والوجهُ الثاني: أن يكون اللحن من لغة إلى لغة. فتقول عُثْمَان: نَجِد في مَصَاحِفِكُمْ لَحْنًا، لم يُرِدْ اللَّحن الّذي لا يجوزُ البَتَّةَ، ولكنَّه أراد الخُروج من لُغةٍ إِلى لُغةٍ، لأنَّ القرآن بلغةِ قُريشٍ، لا بلغةُ بلحرث بْن كعب. أَلَمْ تَسْمَعْ أنَّ عُمَرَ بْن الخَطَّاب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بلغه أنَّ ابنَ مَسعودٍ يُقرئ الناسَ بلغةِ هُذيل «عَتَّى حِيْن» بالعَين فكتب إِلَيْهِ: أمّا بعدُ، فإذا وَرَدَ عليكَ كِتابي فأقرئٍ النَّاسَ بلغةِ هذا الحّيِّ من قُريشٍ. وكلٌّ قد ذَهَبَ مَذْهَبًا، والحمدُ لله واجتَهَدوا.

والوجهُ الثالثُ: أنَّ اللَّحنَ الفِطْنَة، وقد فُسِّرَ في غير هذا الموضع.

والقراءةُ الثالثةُ: «إنْ هذان لساحران» بتخفيف إنْ، قرأ بذلك حفصٌ عَنْ عاصمٍ.

جعل «إن» بمعنى ما جَحْدًا، أي: ما هذان لساحران.

والقراءة الرابعةُ إنْ هَذَاْنِّ بتخفيف إنْ، وتشديد نون التَّثنية، وهي قراءةُ ابنِ كثيرٍ وحَفْص، وقد ذكرتُ علَّة تَشديد النّون في النّساء.

والقراءةُ الخامسةُ: أنَّ أُبَيًّا قرأ: «إن ذان إلا ساحران» وهذا يقوي قراءة حفصٍ وابنِ كثيرٍ.

والقراءةُ السَّادِسَةُ: أنَّ ابنَ مَسْعُودٍ قرأ: «إنَّ هَذَأنِ ساحِرانِ» بغير.

فإنْ سألَ سائلٌ، فَقَالَ: قد أجزتَ أن تجعلَ إن بمعنى نعم.

ولا يدخل اللّام بين المبتدأ وخبره. ولا يقال: زَيْدٌ لقائم. فَما وجهُ قولُه: {إن هذان}.

فالجواب في ذَلِكَ: أنَّ من العَرَبِ من يُدخِلُ لامَ التَّأكيد في خبر المبتدأ. فيقولُ زيدٌ لأخوكَ. وهي لغةٌ مُسْتَقِيْمَةٌ، قَالَ الشَّاعِرُ:

خالي لأنت ومن جرير خاله ... ينل العلا ويكرم الأخوالا

<<  <   >  >>