للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن ذلك: الرجل الذي من بني إسرائيل فقد ثبت في الصحيح بروايات صحيحة كثيرة أنه قال لأهله عندما حضره الموت: (إذا أنا مت فاحرقوني، ثُمَّ اطحنوني، ثُمَّ ذروني في البحر وفي البر، والله لئن قدر الله عليّ ليعذبني عذاباً لم يعذبه أحداً من العالمين) فإن هذا الرجل لإيمانه وخوفه من الله عَزَّ وَجَلَّ، ولشدة اعترافه وإقراره بتفريطه لحق الله عَزَّ وَجَلَّ أوصى أهله أن يفعلوا به هذا الفعل، فجهل أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى كل شيء قدير، وأنه يحي الموتى، (فجمعه الله وأعاده خلقاً سوياً كما كان) وهو قادر تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى كل شيء، ثُمَّ قال له: (ما حملك عَلَى ما فعلت؟ قَالَ: خوفك يا رب!!)

فلم يفعل ذلك جرأة عَلَى الله عَزَّ وَجَلَّ أو شكاً في إيمانه أو قدرته، لكن خوف الله عَزَّ وَجَلَّ هو الذي حمله أن يظن أنه سيتخلص من هذا الهول العظيم إذا أحرق وطحن ووزع في البر والبحر.

فالإِنسَان قد يجهل مثل هذه الأشياء، ولو علم لتفطن أن الله عَلَى كل شيء قدير.

فالشاهد أن قضية العذر بالجهل أو عدم العذر به قضية نسبية متفاوتة، وكل إنسان يحاسبه ربه تَبَارَكَ وَتَعَالَى بمقدار ما بلغه من العلم وما يمكن أن يتعلمه.

فالمصنف رَحِمَهُ اللَّهُ بهذا الكلام الموجز يرد بذلك عَلَى هَؤُلاءِ المنحرفين من الخوارج أو من المتكلمين في هذه القضية المهمة، فالواجب أن يعلم الجاهل، وأن يدعى الغافل ويذكر، هذا هو واجبنا، وعلى كل من عرف شيئاً من الحق أن يبذله، وأن يعلم النَّاس العقيدة الصحيحة، ولا يكثر الخوض والجدل في العذر بالجهل أو عدم العذر به.

فإن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سوف يحاسبهم كلاً منهم بما بلغه من العلم، ونحن سيحاسبنا هل بلّغْنَا دعوة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم لا؟

<<  <   >  >>