لكن عندما يكون لديك أمران: أحدهما مستحيل في نظرك، ثُمَّ يأتي بعده ما هو أكثر استحالة منه، فإن هذا يدفعك إِلَى أنك تكاد أن توافق بالأمر البسيط، وتقول: ما دام أن فيها كذا نسلم بهذا الأقل والأهون، وهذا أمر يمكن أن يجادل فيه، فلهذا جاءوا يجادلون كيف ذهبت؟ فلما طلبوا منه وصف المسجد أظهره الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أمامه المسجد، فأخذ يراه رأي العين ويصفه لهم حتى أيقنوا وصدقوا أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أسري به، وكان ذلك تصديقاً قلبياً وليس تصديقاً إيمانياً، ووقر ذلك في قلوبهم، كما قال الله تعالى: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [الأنعام:٣٣] فجحدوه بعد أن وقر في قلوبهم.
ومن الحِكَمِ الأخرى أنبيت المقدس هو مهبط النبوة قبل نبوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأنبياء بني إسرائيل بعثوا في تلك الأرض المقدسة، وهناك القبلة الأولى التي كَانَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه يستقبلونها، إذاً فهناك ربط بين هذا النبي الجديد وبيئته وبلدته الجديدة -النبوة الخاتمة- وبين مهبط النبوة السابقة لها أيضاً، وفيه إشعار بأن هذا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكمِّل ومتمِّمٌ لرسالات الأَنْبِيَاء قبله، فهو خاتمهم، ولم يأتِ في باب التوحيد والإيمان بجديد عما جاءوا به في أصَلِ القضية، وإنما دعا إِلَى ما دعوا إليه.