فالمسالة في أصلها تعود إِلَى التلقي إما من كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو من الفهم لها كما فهمها الصحابة وكما فهمها العلماء الثقات الذين يؤخذ عنهم هذا العلم ويؤخذ منهم الدين، فالصحابة رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُم، والسلف لم ينقلوا نظم القُرْآن وحده، -يعني الألفاظ وحدها- وإنما نقلوا اللفظ والمعنى، ولم يكونوا يتعلمون كتاب الله كما يتعلم الصبيان الذين لا يستطيعون أن يستوعبوا المعاني، وإنما يحفظون الألفاظ؛ فهذا سوء ظن بأفضل جيل.
وذكر المُصْنِّف أن من لا يسلك سبيلهم فإنما يتكلم برأيه وبالهوى المجرد، ومن يتكلم برأيه وما يظنه دين الله ولم يتلق ذلك من الكتاب فهو مأثوم وإن أصاب، وبالعكس من أخذ من الكتاب والسنة فهو مأجور وإن أخطأ، لأنه ليس كل إنسان يوفق للفهم الصحيح في كتاب الله وفي سنة رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بل قد يفهم خطأ، كما وقع ذلك حتى في جيل الصحابة رضوان الله تَعَالَى عليهم، لكن إن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد وخطؤه مغفور، أما من أخذ من غير الكتاب والسنة فهو آثم، وإن أصاب، فلو جَاءَ أحدهم وقَالَ: أنا أثبت العلو لله كابن رشد مثلاً فإنه يثبت كثيراً من الصفات التي تنكرها الأشعرية -وكان عدواً شديداً للأشعرية.
يقولون: نثبت بالعقل وبالرأي أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فوق العالم.
ولو قيل: ما رأيكم في الكتاب والسنة؟
لقالوا: لا، هذه تحتمل وظاهرها فيه تشبيه، نَحْنُ نثبت بالعقل.
فيقال لهم: هذا أثم، وإن كَانَ الكلام صواباً؛ لأنه لم يتبع الحق من منبع المحق ومن مصدر الحق وهو الكتاب والسنة، فنقول: ليس عقلك هو مصدر التلقي ولا مصدر الإثبات إلا في المجالات التي هي من شأن العقل وهي المجالات الاجتهادية لكن كلامنا في الدين وفي الاعتقاد، وفي الصفات، فلا يستطيعها العقل وليس في مجاله ولا من اختصاصه.