إما أن تكون أمراً وجودياً أي: شيئاً موجوداً اسمه الجهة، أو حيزاً معيناً يُقال له الجهة من ضمن الموجود في هذا الكون، هذا شيء، وإما أن تكون الجهة أمراً عدمياً، يعني شيئاً مثلياً إضافياً، لا شيئاً موجوداً بذاته أو مميزاً بذاته.
لا يخلو مرادهم بالجهة من هذين الاعتبارين، وعلى ذلك نقول لهم: إن كَانَ المقصود بالجهة الحيز والشيء الوجودي، فنحن أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ لا نثبت لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الجهة بهذا الاعتبار؛ لأننا في الأصل لا نقول كلمة "الجهة" كما سبق، وإنما نقول: العلو، فنثبت له العلو، لأن الكلمات التي فيها لبس والتي تُحتمل معنيين لا نثبتها ولا نذكرها إلا مبينين أو مفسرين لِمَا نريد أن نقول.
فـ"الجهة" هنا ليس أمراً وجودياً، يعني ليس ظرفاً أو حيزاً معيناً، فالأرض جميعاً قبضته يَوْمَ القِيَامَةِ والسماوات مطويات بيمينه، والكون كله في يده سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كالخردلة في يد أحدكم، إذاً ليس هناك شيء يسمى جهةً أو ظرفاً وجودياً بمعنى أنه يحويه لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ليس هذا مرادنا، فلا حجة علينا بقولكم لنا: إنكم تثبتون الجهة فيلزم منها كذا ويلزم منها كذا ... إلخ لا حجة لكم علينا لأنا لا نثبت ذلك، ومع ذلك فإن كون الجهة أمراً وجودياً كما ذكر المُصنِّفُ هنا لا يعني النفي.
لأنه يقول: تقدير دليلكم أن تقولوا: كل ما ليس في شيء موجود لا يُرى، يعني كأنهم يقولون: أي شيء ليس في شيءٍ موجودٍ لا يرى، فَيَقُولُ: هذا ليس بلازم، لا يلزم أنه لا يرى بمجرد أنه ليس في شيء موجود، ويستدل عَلَى ذلك بقوله: إن سطح العالم يمكن أن يرى وليس العالم في عالم آخر، يعني سطح العالم يمكن أن يرى، وهو ليس في شيء آخر بل هو ذاته نفسه يمكن أن يرى، فهذا إن قلنا: إن الجهة أمر وجودي.