إنَّ من العلل الواهية التي تعلل بها المكذبون للأنبياء أنهم قالوا: مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا [الشعراء: ١٥٤] ، إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا [إبراهيم:١٠] فكيف نؤمن بأنكم أنبياء من عند الله؟ نريد أن يكون النبي ملكاً من الملائكة، فرد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عليهم في مواضع منها هذا الموضع في سورة الأنعام وَقَالُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ [الأنعام:٨] يُحتمل المعنى: أنه لو أنزلنا ملكاً لم يستطيعوا أن يروه فيموتوا، ويحتمل: أنه لو أنزلنا ملكاً أن يروه كَفَرُوا به لاستحقوا العقوبة العاجلة بخلاف ما إذا كَانَ المخاطب لهم من أنفسهم؛ لأن الملك هذا من عالم الغيب، فأصبح في عالم الشهادة، يكلمهم ويخاطبهم، فحينئذ لا ينفع التكذيب ولا الرد ولا الجدال ولا يقبل عَلَى الإطلاق، إما أن يؤمنوا ويذعنوا فوراً وإما إن يحيق بهم العذاب من عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لكن عندما يأتي بشر مثلهم فيدعوهم إِلَى الله فَيَقُولُ: إنه يوحى إليّ من الله، إذا أمنوا بنبوته فإنهم يؤمنون فعلاً عَلَى الغيب لا عَلَى الشهادة، فإذاً لم تأتهم الآية وإذا أتت الآية ورأوها عياناً فما بعدها إلا العذاب كما رأى قوم صالح الناقة مبصرة، فماذا حصل لهم لما عقروها؟ أهلكوا.
أصحاب المائدة توعدهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أنه بعد أن ينزلها عليهم فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ [المائدة: ١١٥] لأنهم يرون الغيب شهادة، فكذلك بالنسبة للأنبياء فمن رحمة الله عَزَّ وَجَلَّ أنه أرسل الرسل من البشر ليكون هناك مجال للأخذ وللجدال وللنقاش، ولا يأتي العذاب المفاجئ، هذا أمر.