يقول:[ولهذا ألزم المعتزلة من نفى العلو بالذات بنفي الرؤية] وقال كلمة [بالذات] ؛ لأن الأشعرية يقولون: العلو بالقهر وبالغلبة وبالسلطان وبالتمكينوَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِه [الأنعام: ١٨] يقولون: قاهر فوقهم مثل أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاء [الملك:١٦] يعني سلطانه وقهره وقوته، فلا يثبتون علو الذات وإنما علو القهر والغلبة والملك والتمكين، فلهذا قَالَ:(الذات) لأن الرؤية محلها أو متعلقها الذات وهذا الكلام هو عن الذات وليس عن أي شيء أخر من متعلقات الذات فهو متعلق بالرؤية فَيَقُولُ: [ألزم المعتزلة من نفى العلو بالذات نفي الرؤية] أي يلزمه أن ينفي الرؤية، [وَقَالُوا: كيف تعقل رؤية -بلا مقابلة- بغير جهة] .
والمصنف -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- قال بعد ذلك: وما ألزمهم المعتزلة هذا الإلزام -يعني المعتزلة ما ألزموا الأشعرية والماتريدية أيضاً وهم في ذلك تبع لهم- إلا لما وافقوهم عَلَى أنه تَعَالَى لا داخل العالم ولا خارجه، يعني لم يثبتوا له أية جهة من الجهات، ولكن يستدرك المُصْنِّف فَيَقُولُ:[لكن قول من أثبت موجوداً يُرى لا في جهة، أقرب إِلَى العقل من قول من أثبت موجوداً قائماً بنفسه لا يُرى ولا في جهة] يقول: مع هذا الإلزام القوي من المعتزلة للأشعرية إلا أن المعتزلة أبعد، فهم يثبتون ذاتاً عَلَى الحقيقة قائمة بنفسها، ومع ذلك ليست في جهة، ولا يمكن أن تُرى، وأما أُولَئِكَ فإنهم أنكروا الجهة وأثبتوا الرؤية فهم أخف منهم في هذا الجانب، وإن كَانَ من حيث العقل المجرد -بالنسبة للمعتزلة على الأقل ومن نحا نحوهم- يرون أن مذهب الأشعرية هو الذي أبعد عَلَى العقل، لكن المُصْنِّف يرى أن الذي نفى الجهة ونفى الرؤية معاً أبعد في العقل من الذي أثبت أحدهما، وينتهي كلامه عن المعتزلة عند قوله: بلا مقابلة بغير جهة.