أما قوله تعالى: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ فإنها أيضاً تدل لمذهب أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وهو إثبات الرؤية، ولا تدل عَلَى ما ذهب إليه المعتزلة من نفي الرؤية، وتفصيل ذلك أن يقَالَ: إن هذه الآية جاءت في سياق التمدح والثناء من الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى نفسه، وهو أولى شيء بالثناء، وهو المستحق لصفات الثناء والإجلال والمدح والكمال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فلما أن أثنى الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عَلَى نفسه وتمدح بقوله: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ دلَّ ذلك عَلَى أن هذا المعنى يندرج تحت قاعدة عظيمة من قواعد الأسماء والصفات وهي: "ليس في صفات الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نفي -مطلق- عدمي، وإنما النفي يأتي لإثبات كمال وجودي" فلا نصف الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بالنفي المطلق، ولا يُمدح الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بالنفي المجرد؛ لأنه عدم.
وإنما يأتي النفي في القُرْآن والسنة في صفات الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لإثبات متعلقه ومتضمنه وهو إثبات صفة وجودية ثبوتية لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
فالمدح إنما يكون بالصفات الثبوتية، وأما العدم المحض فليس بكمال فلا يمدح به، وذكر المُصْنِّف أمثلة عَلَى ذلك، مثلاً: قوله تعالى: لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [البقرة:٢٥٥] هذا نفي يتضمن كمال حياته وقيوميته، فمن كمال حياته وقيوميته أنه لا تأخذه سنة ولا نوم، وقد سبق أن هذه الآية هي أعظم آية في كتاب الله، وهاتان الصفتان " الحي القيوم " تضمنتا جميع صفات الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ودلتا عليها، فالحي: دليل عَلَى جميع الصفات الذاتية، والقيوم: دليل عَلَى جميع الصفات الفعلية.