للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال في سورة النمل " لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا " فقدم لكونه منها أهم يدلك على ذلك أن الذي قبل هذه الآية " أئذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا لمخرجون " والذي قبل الأولى (أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما) فالجهة المنظور فيها هناك هي كون أنفسهم ترابا وعظاما، والجهة المنظور فيها ههنا هي كون أنفسهم وكون آبائهم ترابا لأجزاء هناك من بناهم على صورة نفسه ولا شبهة أنها أدخل عندهم في تعبيد البعث فاستلزم زيادة الاعتناء بالقصد على ذكره فصيره هذا العارض أهم، ومنها أن قال في موضع من سورة المؤمنين " فقال الملأ الذين كفروا من قومه " فذكر المجرور بعد صفة الملأ وهو موضعه كما تعرف، وفي موضع آخر منها " وقال الملأ من قومه الذين كفروا " فقدم المجرور لعارض صيره بالتقديم أولى وهو أنه لو أخر عن الوصف وأنت تعلم أن تمام الوصف بتمام ما يدخل في صلة الموصول وتمامه " وأترفناهم في الحياة الدنيا " لاحتمل أن يكرن من صلة الدنيا واشتبه الأمر في القائلين أهم من قومه أم لا، ومنها أن قال في سورة طه " أمنا برب هرون وموسى " وفي الشعراء " رب موسى وهرون " للمحافظة على الفاصلة، ولنقتصر من الأمثلة على ما ذكر، فما كان الغرض إلا مجرد التنبيه دون التتبع لنظائرها في القرآن وتفصيل القول فيها خاتمين الكلام بأن جميع ما وعت أذناك من التفاصيل في هذه الأنواع الثلاثة من فصل التقديم والتأخير هو مقتضى الظاهر فيها وقد عرفت فيما سبق أن إخراج الكلام لا على مقتضى الظاهر طريق للبلغاء يسلك كثيراً بتنزيل نوع مكان نوع باعتبار من الاعتبارات فليكن على ذكر منك.

<<  <   >  >>