قلت: وبهذا البيان يظهر جليًّا موافقة رواية مالك عن ابن الهاد، لرواية يحيى بن أبي كثير ومن تابعه عن أبي سلمة في خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - صبيحة عشرين، فتصبح رواية مالك: حتى إذا كان ليلةَ إحدى وعشرين، وهي الليلة التي يخرج فيها من صبيحتها من اعتكافه؛ يعني: صبيحة عشرين، والله أعلم.
٤ - ورواه عمارة بن غزية الأنصاري، قال: سمعت محمد بن إبراهيم، يحدث عن أبي سلمة، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعتكف العشر الأول من رمضان، ثم اعتكف العشر الأوسط، في قبة تركية على سُدَّتها حصير، قال: فأخذ الحصير بيده فنحاها في ناحية القبة، ثم أطلع رأسه فكلم الناس، فدنوا منه، فقال:"إني اعتكفت العشر الأول، ألتمس هذه الليلة، ثم اعتكفت العشر الأوسط، ثم أُتيت، فقيل لي: إنها في العشر الأواخر، فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف"، فاعتكف الناس معه، قال:"وإني أُريتُها ليلةَ وترٍ، وإني أسجد صبيحتها في طينٍ وماءٍ"، فأصبح من ليلة إحدى وعشرين، وقد قام إلى الصبح، فمطرت السماء، فوكف المسجد، فأبصرت الطين والماء، فخرج حين فرغ من صلاة الصبح، وجبينه ورَوثَة أنفه فيهما الطين والماء، وإذا هي ليلة إحدى وعشرين من العشر الأواخر.
أخرجه مسلم (١١٦٧/ ٢١٥)، وأبو عوانة (٢/ ٢٥٧/ ٣٠٦٥)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (٣/ ٢٤٧/ ٢٦٦٤)، والنسائي في الكبرى (٣/ ٣٨٢/ ٣٣٣٤)، وابن ماجه (١٧٧٥)، وابن خزيمة (٣/ ٣٢٢/ ٢١٧١) و (٣/ ٣٤٣/ ٢٢١٩)، وابن حبان (٨/ ٤٤٠/ ٣٦٨٤)، والبيهقي (٤/ ٣١٤).
قال ابن خزيمة:"هذا حديث شريف شريف".
وروثة الأنف: أرنبته وما يليها من مقدمته [غريب الحديث لابن قتيبة (٢/ ٤٣٦)، النهاية (٢/ ٢٧١)].
وقال ابن الجوزي في كشف المشكل (٣/ ١٢٤): "والأرنبة: مقدَّم الأنف، والروثة: طرف الأرنبة".
٥ - ورواه سليمان بن أبي مسلم الأحول خال ابن أبي نجيح، ومحمد بن عمرو بن علقمة، وعبد الله بن أبي لبيد، وأبو الحسن [ولعله أحد الثلاثة المذكورين، وزاد النسائي احتمالًا رابعًا، وانظر كلام النسائي في الكبرى]:
عن أبي سلمة، عن أبي سعيد الخدري، قال: اعتكفنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العشر الأوسط، فلما كان صبيحة عشرين نقلنا متاعنا [وفي رواية محمد بن عمرو: فلما أصبحنا صبيحة عشرين رجع ورجعنا معه]، فأتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال [وفي رواية محمد بن عمرو: فلما كان العشي جلس على المنبر، فخطب الناس، فقال]: " [إني أُريت ليلة القدر فأُنسيتها]، من كان اعتكف فليرجع إلى مُعتكَفه، فإني رأيت هذه الليلة [في العشر الأواخر]، [فابتغوها في العشر الأواخر من شهر رمضان، في الوتر منها]، ورأيتُني أسجد [في صبيحتها]