للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأصح الأشهر أنّه نزل إلى سماء الدنيا ليلة القدر جملة واحدة ثم نزل بعد ذلك منجّما في عشرين سنة أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين على حسب الخلاف في مدة إقامته صلى الله عليه وآله وسلم بمكة بعد البعثة.

الثاني أنّه نزل إلى سماء الدنيا في عشرين ليلة القدر أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين، في كلّ ليلة ما يقدر الله إنزاله في كلّ سنة، ثم نزل بعد ذلك منجّما في جميع السنة، وهذا القول ذكره الرازي بطريق الاحتمال ثم توقّف. هل هذا أولى أو الأول؟ قال ابن كثير وهذا الذي جعله احتمالا نقله القرطبى عن مقاتل بن حيان «١»، وحكى الإجماع على أنّه نزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزّة في سماء الدنيا. الثالث أنّه ابتدأ انزاله في ليلة القدر ثم نزل بعد ذلك منجّما في أوقات مختلفة من سائر الأوقات، وبه قال الشعبي «٢». قال ابن حجر والأول هو الصحيح المعتمد. قال وحكى الماوردي «٣» قولا رابعا أنّه نزل من اللوح المحفوظ جملة واحدة وأنّ الحفظة نجّمته على جبرئيل في عشرين ليلة وأنّ جبرئيل نجّمه على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في عشرين سنة، والمعتمد أنّ جبرئيل كان يعارضه في رمضان بما ينزل به عليه في طول السنة. قال أبو شامة «٤»:

نزوله جملة إلى سماء الدنيا قبل ظهور نبوّته ويحتمل أن يكون بعدها، قيل الظاهر هو الثاني. قيل السرّ في إنزاله جملة إلى سماء الدنيا تفخيم أمره وأمر من نزل عليه وذلك بإعلام سكان السموات السبع أنّ هذا آخر الكتب المنزّلة على خاتم الرسل أشرف الأمم قد قرّبناه إليهم لننزّله عليهم، ولولا أنّ الحكمة الإلهية اقتضت وصوله إليهم منجّما بحسب الوقائع لهبط به إلى الأرض جملة كسائر الكتب المنزّلة قبله، ولكن الله باين بينه وبينها فجعل له الأمرين إنزاله جملة ثم إنزاله مفرّقا تشريفا للمنزّل عليه. وقيل إنزاله منجّما لأنّ الوحي إذا كان يتجدّد في كلّ حادثة كان أقوى للقلب وأشدّ عناية بالمرسل إليه، ويستلزم ذلك كثرة نزول الملك إليه فيحدث له من السرور ما يقصر عنه العبارة. والثانية في كيفية الإنزال والوحي.

قال الأصفهاني اتفق أهل السّنة والجماعة على أنّ كلام الله منزّل واختلفوا في معنى الإنزال.

فمنهم من قال إظهار القراءة، ومنهم من قال إنّ الله تعالى ألهم كلامه جبرئيل وهو في السماء وهو عال من المكان وعلّمه قراءته ثم جبرئيل أدّاه إلى الأرض وهو يهبط في المكان. وفي


(١) هو مقاتل بن حيان بن دوال دور، ابو بسطام النبطي، توفي حوالي عام ١٥٠ هـ، امام محدث ثقة، روى الحديث وكان بارعا فيه. سير أعلام النبلاء ٦/ ٣٤٠، تاريخ البخاري ٨/ ١٣، الجرح والتعديل ٨/ ٣٥٣ مشاهير علماء الأمصار ١٩٥، تذكرة الحفاظ ١/ ١٧٤، ميزان الاعتدال ٤/ ١٧١.
(٢) هو عامر بن شراحيل بن عبد ذي كبار، الشعبي الحميري، ابو عمرو، ولد بالكوفة عام ١٩ هـ/ ٦٤٠ م وتوفي فيها عام ١٠٣ هـ/ ٧٢١ م. راوية من التابعين، حافظ فقيه شاعر، كان ثقة في الحديث. الاعلام ٣/ ٢٥١، تهذيب التهذيب ٥/ ٦٥، وفيات الاعيان ١/ ٢٤٤، حلية الاولياء ٤/ ٣١٠، تاريخ بغداد ١٢/ ٢٢٧
(٣) هو علي بن محمد بن حبيب ابو الحسن الماوردي، ولد في البصرة عام ٣٦٤ هـ/ ٩٧٤ م وتوفي في بغداد عام ٤٥٠ هـ/ ١٠٥٨ م. أقصى قضاة عصره، عالم باحث، له تصانيف كثيرة ومفيدة. الاعلام ٤/ ٣٢٧، طبقات السبكي ٣/ ٣٠٣، وفيات الاعيان ١/ ٣٢٦، شذرات الذهب ٣/ ٢٥٨، آداب اللغة ٢/ ٣٣٢، مفتاح السعادة ٢/ ١٩٠
(٤) هو عبد الرحمن بن اسماعيل بن ابراهيم المقدسي الدمشقي، ابو القاسم، شهاب الدين ابو شامه، ولد في دمشق عام ٥٩٩ هـ/ ١٢٠٢ م وتوفي فيها عام ٦٦٥ هـ/ ١٢٦٧ م، مؤرخ محدث باحث، له الكثير من الكتب والمصنفات.
الاعلام ٣/ ٢٩٩، فوات الوفيات ١/ ٢٥٢، بغية الوعاة ٢٩٧، غاية النهاية ١/ ٣٦٥، طبقات الشافعية ٥/ ٦١.