للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فدخل عليه ثلاثة أيام يقول في كل يوم: اغسلوا قميصه. فبكت فاطمة في اليوم الثالث وقالت: والله ما له غيره (١).

وخطب الجمعة يومًا بخُناصرة (٢) وقميصُه مرقوع الجيب منَ بين يديه ومن خلفه، فلما نزل قيل له: إن الله قد أعطاك، فلو لبست وصنعت! فنكَّس رأسه مليًّا ثم رفعه وقد عرفوا أنَّه ساءه ذلك، فقال: إن أفضل القصد عند الجِدَة (٣)، وأفضل العفو عند المقدرة (٤).

وقال أبو سريع (٥) الشامي: كان سببُ زهد عمر في الدنيا وإقباله على الآخرة أن بعض عبيده جنى جنايةً، فأمر به فبُطح ليضربه، فقال له: يا مولاي، هل جنيتَ جناية غضب بها عليك مولاك؟ قال: نعم. قال: فهل عاجلك بالعقوبة؟ فانتبه عمر وقال: أطلِقُوه، فأنتَ حرٌّ لوجه الله.

وقال المصنف : قرأتُ على شيخنا موفق الدين بروايته عن محمد بن البرَّاء أنَّه ذكر في كتاب "الروضة" أن رجلًا حدَّث عمر بن عبد العزيز أنَّ مَلِكًا من الملوك بنى مدينة فتنوَّقَ في بنائها، ثم صنع طعامًا، ودعا الناسَ إليه، وأقعدَ على أبوابها أناسًا يسألون الناس؛ كلَّ من خرج منها: هل رأيتم بها عيبًا؟ فيقولون: لا. حتَّى جاء آخر القوم؛ أناس عليهم أكسية، فسألهم: هل رأيتُم بها عيبًا؟ قالوا: نعم، عيبين اثنين. قالوا: وما هما؟ قالوا: تخربُ ويموتُ صاحبها. فحبسوهم وأخبروا الملك بذلك، فأحضرَهم، وسألهم، فقالوا مثل مقالتهم، فوقع كلامُهم في قلبه، فبكى وقال: هل تعرفون دارًا لا تخرب ولا يموتُ صاحبها؟! قالوا: نعم، الجنَّة. قال: فميعاد ما بيني وبينكم وقتُ السَّحَر بمكان كذا وكذا.


(١) جاءت هذه الفقرة في (ص) بلفظ: ورواية أبي الحسين بن سمعون قال: كان ذلك في مرضى موته، وأن مسلمة دخل عليه ثلاثة أيام، يقول في كل يوم: اغسلوا قميصه. وأن فاطمة بكت في اليوم الثالث وقالت: واللهِ ما له غيره!
(٢) بُليدة من أعمال حلب تحاذي قنّسرين نحو البادية. معجم البلدان ٢/ ٣٩٠.
(٣) قرأها محقق "طبقات" ابن سعد ٧/ ٣٩٠: الحدَّة!
(٤) المصدر السابق. ولم يرد هذا الخبر في (ص).
(٥) في (ص): ابن سريع.