للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فتزوَّجها، وأقام عندها زمانًا طويلًا، فأيس منه أهله، فاقتسموا ماله إلا امرأته، فإنها لم تأخذ من ماله شيئًا، ولم تيئس منه، وحزنت عليه، فكانت تبكي عليه ليلًا ونهارًا.

فقال يومًا لامرأته الشاميَّة: إنك قد أَثِمْتِ فيَّ وفي ولدي، فإن رأيتِ أن تأذني لي حتى آتيَهم، وأُعطيكِ عَهْدَ الله أنني أرجع إليك، فأجَّلَتْه سنة، وأعطته مالًا كثيرًا.

وقدم على أهله، فوجدهم قد اقتسموا ماله، ورأى حزن زوجته وما هي فيه، فدفع إليها المال، وقال لأولاده: واللهِ لا أُعطيكم منه شيئًا، أنتم ورثتُموني وأنا حيّ، فهو حظُّكم. ثم قال في زوجته الشامية هذه الأبيات:

صاح حيّا الإلهُ حيًّا ودُورًا … عند أصلِ القناةِ من جَيرُونِ

فبتلك اغتربتُ بالشام حتى … ظنَّ أهلي مُرَجَّماتِ الظُّنونِ

ثم فارقتُها على خير ما كا … نَ قرينٌ مفارقٌ لقرينِ

وهي زهراءُ مثلُ لؤلؤةِ الغوَّ … اصِ صِيغَتْ من جوهرٍ مَكنُونِ (١)

قال: ثم خرج أبو دَهْبَل إلى الشام، فبلغه وفاةُ المرأة الشاميَّة، فرجَع.

وقوله: المراجل، يعني القُدُور النُّحاس، وأما القَيطُون، فهو المُخْدَع بلغة أهل مصر، وأما المَسْنُون؛ فهو المصوَّر].

قال عُمر بن شَبَّة (٢): شبَّبَ عبد الرحمن بنُ حسان برمْلَةَ وهندٍ ابنتي معاوية، فقال في رملة:

رَمْلَ هل تذكرين يومَ غزالٍ … إذْ قَطَعْنا مَسِيرَنا بالتَّمنِّي

إذْ تقولين عَمْرَكَ اللهُ هل شي … ءٌ وإنْ جَلَّ سوف يُسْلِيكَ عنّي

أَمْ هَلُ اطْمِعْتُ منكم بابن حسا … نَ كما قد أراكَ أُطْمِعْتَ منّي

وبلغ يزيد، فقال لأبيه معاوية: ألا ترى إلى هذا العِلْج من أهل يثرب ينتهكُ أعراضَنا، ويُشَبِّبُ بأهلنا ونسائنا! فقال: ومن هو؟ قال: ابنُ حسان. وأنشد قوله. فقال معاوية: يا يزيد، ليست العقوبة من أحدٍ أقبحَ منها من ذوي القُدرة، فأمْهِلْ حتى يَقْدَمَ وفدُ الأنصار، وأَذْكِرْني به.


(١) قال ابن عساكر: رُوي هذا الشعر لعبد الرحمن بن حسان، وليس بصحيح.
(٢) الأغاني ١٥/ ١٠٦ - ١٠٨، وتاريخ دمشق ٩/ ٩١٣ - ٩١٤. (مصورة دار البشير).