ومنها: أنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - صلَّى مع عبدِ الرَّحمنِ بن عوفٍ ركعةً، وجلسَ معهُ في الأُولى، ثُمَّ قامَ فقَضى.
وفيه: فضلُ عبدِ الرَّحمنِ بن عوفٍ، إذ قدَّمَهُ جماعةُ الصحابةِ في ذلكَ المَوْضِع لصلاتِهِم، بدلًا من نبيِّهِم - صلى الله عليه وسلم -.
وفيه: صلاةُ الفاضِلِ خلفَ المفضُولِ.
وفيه: حمدُ من بدَّرَ إلى أداءِ فَرْضِهِ، وشُكرُهُ على ذلكَ، وتحسينُ فِعلِهِ.
وفيه: الحُكمُ الجليلُ، الذي به فُرِّقَ بين أهلِ السُّنَّةِ وأهلِ البِدَع، وهُو المسحُ على الخُفَّينِ، لا يُنكِرُهُ إلّا مخذُولٌ أو مُبتدِع، خارجٌ عن جماعةِ المُسلِمينَ، أهلِ الفِقهِ والأثَرِ، لا خِلافَ بينهُم في ذلكَ بالحِجازِ، والعِراقِ، والشّام، وسائرِ البُلدانِ، إلّا قومًا ابتدعُوا فأنكرُوا المسحَ على الخُفَّينِ، وقالوا: إنَّهُ خِلافُ القُرآنِ، وعَسَى القُرآنُ نَسَخهُ، ومعاذَ الله أن يُخالِفَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - كِتاب الله، بل بيَّنَ مُرادَ الله منهُ، كما أمَرَهُ الله عزَّ وجلَّ في قولِهِ:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}[النحل: ٤٤]، وقال:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}[النساء: ٦٥].
والقائلُونَ بالمسح جُمهُورُ الصَّحابةِ، والتّابِعين، وفُقهاءُ المُسلِمين قديمًا، وحديثًا، وكيف يُتوَهَّمُ أنَّ هؤُلاءِ جازَ عليهم جهلُ معنى القُرآنِ؟ أعاذَنا الله من الخِذلانِ.
روى ابن عُيينةَ، والثَّوريُّ (١)، وشُعبةُ، وأبو مُعاويةَ، وغيرُهُم، عن الأعمشِ، عن إبراهيم، عن همّام بن الحارِثِ قال: رأيتُ جَريرًا يتوضَّأُ من مِطْهرةٍ، ومسَحَ على
(١) أخرجه عبد الرزاق في المصنَّف (٢٤٠، ٧٥٦)، والطبراني في الكبير ٢/ ٣٤٠ (٢٤٢١) من طريق الثوري، به.