للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال زيدُ بنُ ثابِتٍ: لا يجوزُ لأحدٍ أن يُوصِيَ بأكثَرَ من ثُلُثِه؛ كان له بَنُونَ، أو وُرِثَ كَلالَةً، أو وَرِثَه جماعَةُ المسلمينَ؛ لأنَّ بقية (١) مالهم عَصبةُ مَن لا عَصَبةَ له (٢). وبهذا القولِ قال جمهورُ أهلِ العلم، وإليه ذهَب جماعةُ فقهاء الأمصارِ، إلَّا ما ذُكِرَ (٣) عن طوائفَ مِن المتأخرين مِن أصحابِهم.

وفي هذا الحديثِ تَخصِيصٌ للقرآنِ؛ لأنَّه أطْلَقَ الوصيةَ ولم يُقَيِّدْها بمقدار لا يُتَعَدَّى، وكان مرادُه عزَّ وجلَّ مِن كلامِه ما بيَّنه عنه رسولُه - صلى الله عليه وسلم -، قال الله عزَّ وجلَّ: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤]، يعني: لتُبيِّنَ لهم مُرادَ ربِّهم فيما احْتَمَله التأويلُ مِن كتابِهم الذي نُزِّلَ عليهم.

وسيأتي القولُ في حكم الوصيةِ لغيرِ الوالدين والأقربينَ، في بابِ نافِع (٤)، وبابِ يحيى بنِ سعيدٍ (٥)، إنْ شاءَ الله.

وأجمَع فقهاءُ الأمصارِ أنَّ الوصيَّة بأكثرَ مِن الثُّلثِ إذا أجازها الورثةُ جازَتْ، وإنْ لم يُجزْها الوَرَثةُ لم يجزْ منها إلَّا الثُّلثُ.


(١) في م: "بيت"، وهو تحريف.
(٢) أخرجه عبد الرزاق في المصنّف ١٠/ ٢٨٧ (١٩١٣٢) عن سفيان الثوري، عن محمد بن سالم الهمداني، عن عامر بن شراحيل الشعبي، عن خارجة بن زيد، عن زيد بن ثابت: "أنه كان يعطي أهل الفرائض فرائضهم، ويجعل ما بقي في بيت المال".
وأخرجه البيهقي في الكبرى ٦/ ٤٤ (١٢٧٧٧) من طريق يزيد بن هارون، عن محمد بن سالم الهمداني، به. وإسناده ضعيف لضعف محمد بن سالم الهمداني، فهو متروك الحديث كما في تحرير التقريب (٥٨٩٨). ولكن أخرجه سعيد بن منصور في سننه (١١٣) عن هشيم بن بشير الواسطي، عن مغيرة بن مقسم الضبِّي، عن عامير الشعبيِّ، فذكره بنحوه.
(٣) في ف ٢، ج، م: "ذكرنا"، والمثبت من الأصل.
(٤) سيأتي في الحديث الثامن والثلاثين لنافع مولى ابن عمر عن عبد الله بن عمر.
(٥) سيأتي في الحديث الثامن والأربعين له عن الحسن بن أبي الحسن البصري.

<<  <  ج: ص:  >  >>