للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العمرَةَ": ودعِي عملَ العمرةِ؛ يَعني: الطوافَ بالبيتِ، والسَّعْيَ بينَ الصَّفَا والمروةِ. وكذلك تأوَّلوا في روايَةِ مَن روَى: "واسْكُتِي عن العُمرةِ ورِوايةِ مَن روَى: "وأمْسِكي عن العمرةِ" (١)، أي: أمْسِكي عن عملِ العمرةِ، لا أنَّه أمَرَ برَفضها وابتداءِ الحجِّ وإنشَائِه، كما زَعَم العِراقِيُّون.

وقال العِراقيُّون: قولُه في هذا الحديثِ: "انْقُضِي رَأْسَكِ وامْتَشِطي" يدفَعُ تأويلَ مَن تأوَّلَ ما ذكرنا.

قال أبو عُمر: أجمَع العلماءُ على أنَّ المعتمِرَ لا يَسعَى بينَ الصَّفا والمروةِ حتى يطوفَ بالبيتِ. وأمَّا المعتمِرَةُ يأتيها حَيضُها قبلَ أن تطوفَ بالبيتِ، ويُدرِكُها يومُ عرفةَ وهي حائِضٌ لم تَطُفْ، أو المعتمِرُ يقدَمُ مكةَ ليلةَ عرفةَ، فيخافُ فوتَ (٢) عرفةَ إن طاف بالبيتِ وسَعَى بينَ الصَّفا والمروة، فإنَّ العلماءَ اختَلَفوا في هؤلاء؛ فقال مالكٌ في الحائِضِ المعتمِرَةِ تخشَى فَواتَ عرفةَ: إنَّها تُهِلُّ بالحجِّ، وتكونُ كمَن قَرَن بينَ الحجّ والعمرة ابتداءً، وعليها هَديٌ. ولا يَعرِفُ مالكٌ رَفضَ الحجِّ، ولا رَفضَ العُمرةِ، لمن أحرَم بواحِدٍ منهما. وقولُه: إنَّ الإنسانَ إذا عَقَد على نفسِه الإحرامَ، فلا يحلُّ منه حتى يُؤدِّيَه ويُتِمَّه (٣).

وبقولِ مالكٍ في هذه المسألةِ قال الأوزاعيُّ، والشافعيُّ، وأبو ثورٍ، وإبراهيمُ ابنُ عُليَّة، في الحائضِ، وفي المعتمِرِ يخافُ فَوتَ عرفةَ قبلَ أن يطوفَ، قالوا: ولا يكونُ إهلالُه بالحجِّ نَقضًا للعُمرَةِ، ويكونُ قارِنًا. وحُجَّتُهم قولُ الله عزَّ وجلَّ:


(١) وقع هذا اللفظ عند أحمد في المسند ٤٢/ ١٨٦ (٢٥٣٠٧)، ومسلم (١٢١١) (١١٣) من حديث عروة عن عائشة رضي الله عنها، ولم نقف على رواية من رواه بلفظ "وأمسكي" فيما بين أيدينا من المصادر، ولا ذكرها أصحاب الشروح.
(٢) في ج، م: "فوات"، كما سيأتي غير مرة، والمثبت فيها جميعًا من الأصل، ف ٢.
(٣) ينظر: الموطأ ١/ ٤٦٠ (٩٧٠)، و ١/ ٥٤٩ (١٢٣٠) والمدوّنة ١/ ٤٤١، والتهذيب في اختصار المدوّنة للقيرواني ١/ ٥٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>