الْفَاءِ مِنَ الْجَوَابِ، لِأَنَّهُ مُتَقَدِّمٌ، وَتَقْدِيرُهُ: أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّا نَطْمَعُ، وَحَسُنَ الشَّرْطُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَحَقَّقُوا مَا لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ قَبُولِ الْإِيمَانِ. انْتَهَى. وَهَذَا التَّخْرِيجُ عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ وَأَبِي زَيْدٍ وَالْمُبَرِّدِ، حَيْثُ يُجِيزُونَ تَقْدِيمَ جَوَابِ الشَّرْطِ عَلَيْهِ، وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَجَوَابُ مِثْلِ هَذَا الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هُوَ مِنْ الشَّرْطِ الَّذِي يَجِيءُ بِهِ الْمَدْلُولُ بِأَمْرِهِ الْمُتَحَقِّقِ لِصِحَّتِهِ، وَهُمْ كَانُوا مُتَحَقِّقِينَ أَنَّهُمْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ. وَنَظِيرُهُ قَوْلُ الْعَامِلِ لِمَنْ يُؤَخِّرُ. جُعْلَهُ إِنْ كُنْتُ عَمِلْتُ فَوَفِّنِي حَقِّي، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي «١» ، مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُمْ لَمْ يَخْرُجُوا إِلَّا لِذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ بِمَعْنَى: أَنَّ طَمَعَهُمْ إِنَّمَا هُوَ بِهَذَا الشَّرْطِ.
انْتَهَى. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ إِنْ هِيَ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَجَازَ حَذْفُ اللَّامِ الْفَارِقَةِ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَى أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ، فَلَا يُحْتَمَلُ النَّفْيُ، وَالتَّقْدِيرُ: إِنْ كُنَّا لَأَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ. وَجَاءَ
فِي الْحَدِيثِ: «إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الْعَسَلَ»
، أَيْ لَيُحِبُّ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:
وَنَحْنُ أُبَاةُ الضَّيْمِ مِنْ آلِ مالك ... وإن مالك كانت كِرَامَ الْمَعَادِنِ
أَيْ: وَإِنَّ مَالِكَ لَكَانَتْ كِرَامَ الْمَعَادِنِ، وأول يَعْنِي أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْقِبْطِ، أَوْ أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ حَاضِرِي ذَلِكَ الْمَجْمَعِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَكَانُوا أَوَّلَ جَمَاعَةٍ مُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِمْ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا مُؤْمِنِينَ قَبْلَ إِيمَانِ السَّحَرَةِ.
وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ، فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ، إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ، وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ، وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ، فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ، كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ، فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ، فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ، قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ، وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ، وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ، ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ. تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي أَسْرِ، وأنه قرىء بِوَصْلِ الْهَمْزَةِ وَبِقَطْعِهَا فِي سُورَةِ هُودٍ. وَقَرَأَ الْيَمَانِيُّ: أَنْ سِرْ، أَمْرٌ مِنْ سَارَ يَسِيرُ.
أَمَرَ اللَّهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَخْرُجَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ لَيْلًا مِنْ مِصْرَ إِلَى تُجَاهِ الْبَحْرِ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ سَيُتَّبَعُونَ. فَخَرَجَ سَحَرًا، جَاعِلًا طَرِيقَ الشَّامِ عَلَى يَسَارِهِ، وَتَوَجَّهَ نحو
(١) سورة الممتحنة: ٦٠/ ١.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute