للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّالِثَةُ لِلِاسْتِقْبَالِ، وَقِيلَ الِاتِّقَاءُ الْأَوَّلُ هُوَ فِي الشِّرْكِ وَالْتِزَامُ الشَّرْعِ وَالثَّانِي فِي الْكَبَائِرِ وَالثَّالِثُ فِي الصَّغَائِرِ، وَقِيلَ غَيْرِ هَذَا مِمَّا لَا إِشْعَارَ لِلَّفْظِ بِهِ، وَمَعْنَى الْآيَةِ ثَنَاءٌ عَلَى أُولَئِكَ، الَّذِينَ كَانُوا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ وَحَمْدٌ لَهُمْ فِي الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى وَالْإِحْسَانِ إِذْ كَانَتِ الْخَمْرُ غَيْرَ مُحَرَّمَةٍ إِذْ ذَاكَ فَالْإِثْمُ مَرْفُوعٌ عَمَّنِ الْتَبَسَ بِالْمُبَاحِ إِذَا كَانَ مُؤْمِنًا مُتَّقِيًا محسنا وإن كان يؤول ذَلِكَ الْمُبَاحُ إِلَى التَّحْرِيمِ فَتَحْرِيمُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ الْمُؤْمِنَ الْمُتَّقِي الْمُحْسِنَ وَتَقَدَّمَ شَرْحُ الْإِحْسَانِ وَأَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ فَسَرَّهُ فِي حَدِيثِ سُؤَالِ جِبْرِيلَ فَيَجِبُ أَنْ لَا يُتَعَدَّى تَفْسِيرُهُ.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ نَزَلَتْ عام الحديبية وأقام صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّنْعِيمِ فَكَانَ الْوَحْشُ وَالطَّيْرُ يَغْشَاهُمْ فِي رِحَالِهِمْ وَهُمْ مُحْرِمُونَ، وَقِيلَ كَانَ بَعْضُهُمْ أَحْرَمَ وَبَعْضُهُمْ لَمْ يُحْرِمْ فَإِذَا عَرَضَ صَيْدٌ اخْتَلَفَتْ أَحْوَالُهُمْ وَاشْتَبَهَتِ الْأَحْكَامُ، وَقِيلَ قَتَلَ أَبُو الْيُسْرِ حِمَارَ وَحْشٍ بِرُمْحِهِ فَقِيلَ قَتَلْتَ الصَّيْدَ وَأَنْتَ مُحْرِمٌ فَنَزَلَتْ. وَمُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْآيَةِ لِمَا قَبْلَهَا هُوَ أَنَّهُمْ لَمَّا أَمَرَهُمْ أَنْ لَا يُحَرِّمُوا الطَّيِّبَاتِ وَأَخْرَجَ مِنْ ذَلِكَ الْخَمْرَ وَالْمَيْسِرَ وَهُمَا حَرَامَانِ دَائِمًا، أَخْرَجَ بَعْدَهُ مِنَ الطَّيِّبَاتِ مَا حُرِّمَ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ، وَهُوَ الصَّيْدُ وَكَانَ الصَّيْدُ مِمَّا تَعِيشُ بِهِ الْعَرَبُ وَتَتَلَذَّذُ بِاقْتِنَاصِهِ وَلَهُمْ فِيهِ الْأَشْعَارُ وَالْأَوْصَافُ الْحَسَنَةُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخِطَابَ بِقَوْلِهِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَامٌّ لِلْمُحِلِّ وَالْمُحْرِمِ لَكِنْ لَا يَتَحَقَّقُ الِابْتِلَاءُ إِلَّا مَعَ الْإِحْرَامِ أَوِ الْحُرُمِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هُوَ لِلْمُحْرِمِينَ، وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ لِلْمُحِلِّينَ وَالْمَعْنَى لَيَخْتَبِرَنَّكُمُ اللَّهُ ابْتَلَاهُمُ اللَّهُ بِهِ مَعَ الْإِحْرَامِ أَوِ الْحَرَمِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ يَقْتَضِي تَقْلِيلًا، وَقِيلَ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الِابْتِلَاءِ الْعَظِيمِ كَالِابْتِلَاءِ بِالْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ بَلْ هُوَ تَشْبِيهٌ بِمَا ابْتُلِيَ بِهِ أَهْلُ أَيْلَةَ مِنْ صَيْدِ السَّمَكِ وَأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَصْبِرُونَ عِنْدَ هَذَا الِابْتِلَاءِ فَكَيْفَ يَصْبِرُونَ عِنْدَ مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ وَمِنْ فِي مِنَ الصَّيْدِ لِلتَّبْعِيضِ فِي حَالِ الْحُرْمَةِ إِذْ قَدْ يَزُولُ الْإِحْرَامُ وَيُفَارِقُ الْحَرَمَ فَصَيْدُ بَعْضِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ بَعْضُ الصَّيْدِ عَلَى الْعُمُومِ، وَقَالَ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ دُونَ الْبَحْرِ، وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ لِبَيَانِ الْجِنْسِ، قَالَ الزَّجَّاجُ وَهَذَا كَمَا تَقُولُ قَالَ لَأَمْتَحِنَنَّكَ بِشَيْءٍ مِنَ الرِّزْقِ وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ «١» وَالْمُرَادُ بِالصَّيْدِ الْمَأْكُولُ لِأَنَّ الصَّيْدَ يَنْطَلِقُ عَلَى الْمَأْكُولِ وَغَيْرِ الْمَأْكُولِ. قَالَ الشَّاعِرُ:

صَيْدُ الْمُلُوكِ أَرَانِبُ وَثَعَالِبُ ... وَإِذَا رَكِبْتُ فَصَيْدِيَ الْأَبْطَالُ


(١) سورة الحج: ٢٢/ ٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>