للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ مَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْعَامِلُ، وَالتَّقْدِيرُ: لَكِنَّ التَّعْرِيضَ سَائِغٌ لَكُمْ، وَكَأَنَّ الزَّمَخْشَرِيَّ مَا عَلِمَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُنْقَطِعَ يَأْتِي عَلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ عَدَمِ تَوْجِيهِ الْعَامِلِ عَلَى مَا بَعْدَ إِلَّا، فَلِذَلِكَ مَنَعَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَظَاهِرُ النَّهْيِ فِي قَوْلِهِ لَا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا التَّحْرِيمُ حَتَّى قَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْهُ، فِيمَنْ وَاعَدَ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ، قَالَ: فِرَاقُهَا أَحَبُّ إِلَيَّ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ، وَتَكُونُ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً، فَإِذَا حَلَّتْ خَطَبَهَا مَعَ الْخُطَّابِ. وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ وُجُوبَ التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَحَكَى مِثْلَ هَذَا ابْنُ حَارِثٍ عَنِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَزَادَ ما تقتضي تَأْبِيدَ التَّحْرِيمِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْ صَرَّحَ بِالْخِطْبَةِ وَصَرَّحَتْ بِالْإِجَابَةِ وَلَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهَا إِلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ صَحَّ النِّكَاحُ، وَالتَّصْرِيحُ بِهِمَا مَكْرُوهٌ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:

أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى كَرَاهَةِ الْمُوَاعَدَةِ فِي الْعِدَّةِ لِلْمَرْأَةِ.

وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ نُهُوا عَنِ الْعَزْمِ عَلَى عُقْدَةِ النِّكَاحِ، وَإِذَا كَانَ الْعَزْمُ مَنْهِيًّا عَنْهُ فَأَحْرَى أَنْ يُنْهَى عَنِ الْعُقْدَةِ.

وَانْتِصَابُ: عُقْدَةَ، عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ لِتَضْمِينِ: تَعْزِمُوا، مَعْنَى مَا يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ، فَضُمِّنَ مَعْنَى: تَنْوُوا، أَوْ مَعْنَى: تصححوا، أَوْ مَعْنَى: تُوجِبُوا، أَوْ مَعْنَى: تُبَاشِرُوا، أَوْ مَعْنَى: تَقْطَعُوا، أَيْ: تَبُتُّوا. وَقِيلَ: انْتَصَبَ عُقْدَةَ عَلَى الْمَصْدَرِ، وَمَعْنَى تَعْزِمُوا تَعْقِدُوا.

وَقِيلَ: انْتَصَبَ عَلَى إِسْقَاطِ حَرْفِ الْجَرِّ، وَهُوَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ: وَلَا تَعْزِمُوا عَلَى عُقْدَةِ النِّكَاحِ. وَحَكَى سِيبَوَيْهِ أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: ضُرِبَ زَيْدٌ الظَّهْرَ وَالْبَطْنَ، أَيْ عَلَى الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ وَقَالَ الشَّاعِرُ:

وَلَقَدْ أَبِيتُ عَلَى الطَّوَى وَأَظَلُّهُ ... حَتَّى أَنَالَ بِهِ كَرِيمَ الْمَأْكَلِ

الْأَصْلُ وَأَظَلُّ عَلَيْهِ، فَحَذَفَ: عَلَى، وَوَصَلَ الْفِعْلَ إِلَى الضَّمِيرِ فَنَصَبَهُ، إِذْ أَصْلُ هَذَا الْفِعْلِ أَنْ يَتَعَدَّى بِعَلَى، قَالَ الشَّاعِرُ:

عَزَمْتُ عَلَى إِقَامَةِ ذِي صَبَاحٍ ... لِأَمْرٍ مَا يُسَوَّدُ مَنْ يَسُودُ

وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى نَظِيرِ هَذَا فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ «١» وَعُقْدَةُ النِّكَاحِ مَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّةُ النِّكَاحِ عَلَى اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: عَزْمُ العقدة


(١) سورة البقرة: ٢/ ٢٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>