للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذكَّرُونَ} الواقعة ٥٧-٦٢، وقال – جل وعلا – في سورة الطارق: {خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} الطارق ٥-٨، وقال – جل جلاله – في سورة عبس: {قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ} عبس ١٧-٢٢، وقال – جل وعلا – في سورة القيامة: {أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى} القيامة ٣٦-٤٠، بلى إنه على كل شيء قدير (١) .


(١) ورد الأمر بقول ذلك في عدة روايات لا تسلم رواية من الكلام، ومجموعها يفيد الأخذ بذلك الأدب الهام نحو كلام ربنا الرحمن – جل وعلا – وإليك بيان تلك الروايات، مع بيان حالها حسب الأصول المقررات:

روى الحاكم في المستدرك – كتاب التفسير – سورة القيامة: (٢/٥١٠) عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان إذا قرأ: " أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى" قال "بلى" وإذا قرأ: " أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ " قال "بلى" قال الحاكم، هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي، وحكى السيوطي في الدر المنثور: (٦/٢٩٩) والألوسي في روح المعاني: (٢٩/١٥) تصحيح الحاكم للحديث ولم يتعقباه، وهذا عجيب منهم وغفلة – غفر الله لهم – لأن في سند الحديث يزيد بن عياض، قال عنه الإمام البخاري في الضعفاء الصغير: (١٢٢) منكر الحديث وقال عنه الإمام النسائي في الضعفاء والمتروكين: (١١١) متروك الحديث، وقال ابن حبان في المجروحين: (٣/١٠٨) كان ممن ينفرد بالمناكير عن المشاهير والمقلوبات عن الثقات، فلما كثر ذلك في روايته صار ساقط الاحتجاج به، وفي الجرح والتعديل: (٩/٢٨٣) قال أحمد بن صالح: أظن يزيد بن عياض كان يضع، وقد اقتصر ابن حجر في تقريب التهذيب: (٢/٣٦٩) عن قوله فيه: كذبة مالك وغيره، ورمز إلى أنه من رجال الترمذي وابن ماجه وانظر حاله في التاريخ الكبير: (١٨/٣٥١) ، والمعنى في الضعفاء: (٢/٧٥٢) وميزان الاعتدال: (٤/٤٣٦، ٤٣٨) ، وتنزيه الشريعة – الفصل الذي سرد فيه أسماء الوضاعين والمتهمين: (١/١٢٨) .
والحديث فيه علة أخرى وهي جهالة أبي اليسع الراوي عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – قال الذهبي في الميزان: (٤/٥٨٩) ، وتبعه ابن حجر في اللسان: (٧/١٢٣) لا يدري من هو، والمسند بذلك مضطرب ١هـ وقد اقتصر الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسند: (١٣/١٢٢) في تعليل الحديث بذلك فقط.
والحديث رواه الأئمة أحمد في مسنده: (٢/٢٢٩) وأبو داود في سننه – كتاب الصلاة – باب مقدار الركوع والسجود: (١/٥٥٠-٥٥١) ، والترمذي في سننه – كتاب التفسير – سورة التين – (٩/٧٨) والبيهقي في السنن الكبرى – كتاب الصلاة – باب الوقوف عند آية الرحمة وآية العذاب وآية التسبيح: (٢/٣١٠) ، والبغوي في معالم التنزيل: (٧/١٨٨) كلاهما من طريق أبي داود، عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – بنحو الذي تقدم، وزيادة: ومن قرأ المرسلات، فبلغ " فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ" فليقل: "آمنا بالله"،وفي سند الجميع راو مبهم مجهول لم يسم، ولذلك قال الترمذي: هذا حديث إنما يروي بهذا الإسناد عن هذا الأعرابي عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – ولا يسمى، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: (٧/١٣٢) بعد أن عزا الحديث للمسند، قلت: القول في آخر التين والزيتون رواه أبو داود وغيره، وفيه رجلان لم أعرفهما ١٠هـ وفي كلامه – رحمه الله تعالى – نظر من وجهين:
الأول: رواية أبي داود كرواية المسند فيها ذكر آخر المرسلات، نعم ليس ذلك في رواية الترمذي بل ليس فيها إلا ذكر آخر التين والزيتون.
الثاني: قوله: فيه رجلان لم أعرفهما لا يتمشى مع حال الإسناد فرجاله كلهم ثقات غير التابعي فهو مجهول وهذا نص سند المسند: حدثنا سفيان عن إسماعيل بن أمية سمعه من شيخ فقال مرة: سمعه من رجل من أهل البادية أعرابي، سمعت أبا هريرة – رضي الله تعالى عنه – الحديث ولعل الإمام الهيثمي اعتبر ما ورد في المسند: سمعته من رجل مجهولاً آخر، مع أن المراد منه هو المراد من شيخ المبهم، فإسماعيل بن أمية قال: سمعته من شيخ، وقال مرة: سمعته من رجل من أهل البادية، كما دل على ذلك رواية أبي داود والترمذي والبيهقي والبغوي فتأمل، ولذلك قال الشيخ شاكر في تعليقه على المسند: (١٣/١٢٠٩ إسناده ضعيف، لجهالة الراوي التابعي الذي لم يسم، وقال الشيخ الأرناؤوط في تعليقه على جامع الأصول: (٢/٤٦٨) ، والأعرابي لا يعرف، وقال الإمام النووي في التبيان: (٦١) رواه أبو داود والترمذي بإسناد ضعيف عن رجل عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه –.
وقد ورد أيضاً ما يقوي ما تقدم ويتقوى به ففي سنن أبي داود – كتاب الصلاة باب الدعاء في الصلاة: (١/٥٤٩) ، ومن طريقه رواه البيهقي في السنن الكبرى – المكان المتقدم، وكذلك رواه البغوي في معالم التنزيل: (٨/١٨٨) عن طريق أبي داود، ورواه ابن أبي حاتم كما في تفسير ابن كثير: (٤/٤٥٢) وعبد بن حميد كما في الدر: (٦/٢٩٦) عن موسى بن أبي عائشة قال: كان رجل يصلي فوق بيته، فكان إذا قرأ: " أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى " قال: سبحانك، فبلى، فسألوه عن ذلك، فقال: سمعته من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال الإمام ابن كثير: تفرد به أبو داود ولم يسم هذا الصحابي ولا يضر ذلك ١هـ وقال الشيخ الأرناؤوط في تعليقه على جامع الأصول: (٢/٤٦٩) : رجاله ثقات، لكن موسى ابن أبي عائشة لم يرو عن أحد من الصحابة، فهو منقطع.
وقد ورد عن السلف آثار كثيرة في ذلك ففي الطبري: (٢٩/١٢٥) عن قتادة مرسلا ً قال: ذكر لنا أن نبي الله – صلى الله عليه وسلم – كان إذا قرأها " أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى " قال: "سبحانك، وبلى" وانظر روايات أخرى في الدر: (٦/٢٩٦) وتلك الروايات بمجموعها يجبر ما فيها من خلل، ولذلك استحب العلماء القول بما ورد في مضمونها كما في التبيان في آداب حملة القرآن: (٦١) .