رابعها: دلت الآية الكريمة على أن أفعال العباد مخلوقة لله – جل وعز – ووجه ذلك، أن قوله – عز وجل –:" َلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وما في َالْأَرْضِ" شامل لكل ما فيهما، ومتناول له، وأفعال العباد من جملة ذلك، فوجب أن تكون منسوبة إلى الله – تبارك وتعالى – انتساب الملك والخلق، وهذا ما قاله نبي الله إبراهيم – على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأتم التسليم – فيما حكاه عنه رب العالمين، في سورة الصافات:{قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} الصافات٩٥-٩٦، قال الإمام ابن كثير – عليه رحمة ربنا الجليل –: يحتمل أن تكون "ما" مصدرية، فيكون تقدير الكلام: خلقكم وعملكم، ويحتمل أن تكون بمعنى "الذي" والتقدير والله خلقكم والذي تعملونه، وكلا القولين متلازم، والأول أظهر، لما رواه البخاري في كتاب أفعال العباد عن علي بن المديني عن مروان ابن معاوية عن أبي مالك عن ربعى ابن خراش عن حذيفة – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – قال: قال النبي – صلى الله عليه وسلم –: "إن الله – تعالى – يضع كل صانع وصنعته" ١هـ قال الإمام البخاري – رحمه الله تعالى –: وتلا بعضهم عند ذلك: " وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ" فأخبر أن الصناعات وأهلها مخلوقة (١) .
(١) انظر تقرير دلالة آية الكرسي على كون أفعال العباد مخلوقة لله في مفاتيح الغيب: (٧/٩) ، وانظر تفسير ابن كثير: (٤/١٣) ، وبدائع الفوائد: (١/١٤٦-١٥٣) ، وفتح الباري: (١٣/٥٢٨-٥٣٥) وخلق أفعال العباد: (١٣٧) ضمن عقائد السلف، والحديث رواه ابن أبي عاصم في السنة: (١/١٥٨) والبيهقي في الأسماء والصفات: (٣٨٨) ، والحاكم في المستدرك – كتاب الإيمان –: (١/٣١-٣٢) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وأقره الذهبي، ولفظ الحديث عند الحاكم وابن أبي عاصم: "إن اله خالق كل صانع وصنعته"، والحديث رواه الخطيب في تاريخ بغداد: (٢/٣١) والبيهقي في شعب الإيمان كما في فيض القدير: (٢/٢٣٩) ، رواه أيضاً البيهقي في كتاب الاعتقاد: (٧٥) – باب القول في خلق الأفعال – باللفظ الأول، ورواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير أحمد بن عبد الله أبو الحسين بن الكردي وهو ثقة كما في مجمع الزوائد: (٧/١٩٧) – كتاب القدر – باب خلق الله كل صانع وصنعته – وهذه الترجمة هي لفظ حديث البزار وقد نص الحافظ في الفتح: (١٣/٤٩٨) على صحة الحديث.