للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا وَضْعُ الْقَدَمَيْنِ فَقَدْ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ فَرِيضَةٌ فِي السُّجُودِ.

قَالَ (فَإِنْ سَجَدَ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ أَوْ فَاضِلِ ثَوْبِهِ جَازَ) لِأَنَّ النَّبِيَّ كَانَ يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ، وَيُرْوَى أَنَّهُ صَلَّى

مُسْتَعْمَلٌ فِيمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ النَّدْبِ وَالْوُجُوبِ، وَهُوَ مَعْنَى طُلِبَ مِنِّي ذَلِكَ ثُمَّ هُوَ فِي الْجَبْهَةِ وُجُوبٌ وَفِي غَيْرِهَا مَعَهَا نَدْبٌ، أَوْ فِي النَّدْبِ بِخُصُوصِهِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ السُّجُودُ عَلَى الْجَبْهَةِ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ قَوْلَ الرَّاوِي أُمِرْنَا وَنُهِينَا يُحْمَلُ عَلَى النَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَوَّلَ حَقِيقَةٌ فِي كُلٍّ مِنْهُ وَمِنْ الْوُجُوبِ، وَالثَّانِيَ فِيهِ وَفِي التَّحْرِيمِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمُتَيَقَّنِ، بِخِلَافِ صِيغَتَيْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ بِعَيْنِهِمَا فَإِنَّهُمَا لِلْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ فَقَطْ.

وَأَمَّا عَلَى قَوْلِنَا فَلَا، إذْ قَدْ اسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا عَلَى التَّحْرِيمِ بِلَفْظِ نُهِيَ نَحْوُ «نُهِيَ عَنْ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ» بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ تَحَقُّقِ صِيغَةِ النَّهْيِ وَحَقِيقَتُهَا التَّحْرِيمُ اتِّفَاقًا فَيَثْبُتُ التَّحْرِيمُ بِالْمُخْبَرِ عَنْهُ: أَعْنِي الصِّيغَةَ لَا بِنَفْسِ لَفْظِ نُهِيَ وَأُمِرَ فَيَحْتَاجُ إلَى صَارِفٍ عَنْ الْوُجُوبِ، وَلَيْسَ يَظْهَرُ إلَّا ظُهُورُ أَنَّ الْمُرَادَ السُّجُودُ وَهُوَ يَحْصُلُ بِدُونِ ذَلِكَ وَبِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ غَيْرَ أَنَّهُ بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ أَزْيَنُ فَيَكُونُ سُنَّةً.

وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا مُحْتَمَلٌ فِي الصَّرْفِ إذْ يَجُوزُ أَنْ يَطْلُبَ مَا هُوَ زِينَةُ السُّجُودِ حَتْمًا فَلَا يَعْدِلُ عَنْ الْوُجُوبِ.

نَعَمْ لَا يَكُونُ فَرْضًا كَيْفَ وَالظَّاهِرُ الْمُوَاظَبَةُ مِنْهُ .

هَذَا وَمُخْتَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ عَنْهُ فِي أَوَائِلِ بَابِ الْأَنْجَاسِ مِنْ أَنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا لَمْ يَضَعْ رُكْبَتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ لَا يُجْزِئُهُ، وَأَنَّهُ رَدَّ رِوَايَةَ عَدَمِ وُجُوبِ طَهَارَةِ مَكَانِ الرُّكْبَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ يُشِيرُ إلَى الِافْتِرَاضِ، وَمَا اخْتَرْته مِنْ الْوُجُوبِ وَلُزُومِ الْإِثْم بِالتَّرْكِ مَعَ الْإِجْزَاءِ كَتَرْكِ الْفَاتِحَةِ أَعْدَلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَمَّا افْتِرَاضُ وَضْعِ الْقَدَمِ فَلِأَنَّ السُّجُودَ مَعَ رَفْعِهِمَا بِالتَّلَاعُبِ أَشْبَهُ مِنْهُ بِالتَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ، وَيَكْفِيهِ وَضْعُ أُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ.

وَفِي الْوَجِيزِ وَضْعُ الْقَدَمَيْنِ فَرْضٌ، فَإِنْ وَضَعَ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى جَازَ وَيُكْرَهُ (قَوْلُهُ فَإِنْ سَجَدَ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ) رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْحِلْيَةِ فِي تَرْجَمَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى الْحَافِظُ الصُّوفِيُّ الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا لَاحِقٌ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فَيْرُوزَ الْمِصْرِيُّ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ عَنْ أَبِيهِ أَدْهَمَ بْنِ مَنْصُورٍ الْعِجْلِيّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ» وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِسَنَدِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ» وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ» وَقَدْ ضُعِّفَ عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ، وَجَابِرُ الْجُعْفِيُّ كَذَّابٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>