للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّ تَأْوِيلَهُ أَنْ يُشْهِدَهَا عَلَى قَصْدِ الْقِتَالِ.

(وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لِلْإِمَامِ حَمُولَةٌ تُحْمَلُ عَلَيْهَا الْغَنَائِمُ قَسَّمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ قِسْمَةَ إيدَاعٍ لِيَحْمُوَهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ يَرْتَجِعَهَا مِنْهُمْ فَيُقَسِّمَهَا) قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ رِضَاهُمْ وَهُوَ رِوَايَةُ السِّيَرِ الْكَبِيرِ. وَالْجُمْلَةُ فِي هَذَا أَنَّ الْإِمَامَ إذَا وَجَدَ فِي الْمَغْنَمِ حَمُولَةً يَحْمِلُ الْغَنَائِمَ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْحَمُولَةَ وَالْمَحْمُولَ مَالُهُمْ.

وَكَذَا إذَا كَانَ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَضْلُ حَمُولَةٍ لِأَنَّهُ مَالُ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ كَانَ لِلْغَانِمِينَ أَوْ لِبَعْضِهِمْ لَا يُجْبِرُهُمْ فِي رِوَايَةِ السِّيَرِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ إجَارَةٍ وَصَارَ كَمَا إذَا نَفَقَتْ دَابَّتُهُ فِي مَفَازَةٍ وَمَعَ رَفِيقِهِ فَضْلُ حَمُولَةٍ،

الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ.

وَهَذَا قَوْلُ صَحَابِيٍّ وَهُوَ لَا يَرَى جَوَازَ تَقْلِيدِ الْمُجْتَهِدِ إيَّاهُ، وَكَذَا عِنْدَ الْكَرْخِيِّ مِنْ مَشَايِخِنَا، وَعَلَى قَوْلِ الْآخَرِينَ (تَأْوِيلُهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى قَصْدِ الْقِتَالِ) وَالْوَقْعَةُ هِيَ الْقِتَالُ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ صَاحِبِ الْمُجْمَلِ الْوَقْعَةُ صَدْمَةُ الْحَرْبِ، وَشُهُودُهُ عَلَى قَصْدِ الْقِتَالِ إنَّمَا يُعْرَفُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: بِإِظْهَارِ خُرُوجِهِ لِلْجِهَادِ وَالتَّجْهِيزِ لَهُ لَا لِغَيْرِهِ، ثُمَّ الْمُحَافَظَةُ عَلَى ذَلِكَ الْقَصْدِ الظَّاهِرِ، وَهَذَا هُوَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ الَّذِي يَنْبَنِي عَلَيْهِ الْحُكْمُ، وَإِمَّا بِحَقِيقَةِ قِتَالِهِ بِأَنْ كَانَ خُرُوجُهُ ظَاهِرًا لِغَيْرِهِ كَالسُّوقِيِّ وَسَائِسِ الدَّوَابِّ فَإِنَّ خُرُوجَهُ ظَاهِرًا لِغَيْرِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ بِمُجَرَّدِ شُهُودِهِ إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى قَصْدِ الْقِتَالِ، فَإِذَا قَاتَلَ ظَهَرَ أَنَّهُ قَصَدَهُ غَيْرَ أَنَّهُ ضَمَّ إلَيْهِ شَيْئًا آخَرَ كَالتِّجَارَةِ فِي الْحَجِّ لَا يَنْتَقِصُ بِهِ ثَوَابُ حَجِّهِ.

وَعَلَى كَوْنِ السَّبَبِ مَا قُلْنَا فَرْعَ مَا لَوْ أُسِرَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَأَصَابُوا بَعْدَهُ غَنِيمَةً ثُمَّ انْفَلَتَ فَلَحِقَ بِالْجَيْشِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجُوا شَارَكَهُمْ فِيهَا وَفِي كُلِّ مَا يُصِيبُونَهُ وَإِنْ لَمْ يَلْقَوْا قِتَالًا بَعْدَهُ، وَلَوْ لَحِقَ بِعَسْكَرٍ غَيْرِ الَّذِي خَرَجَ مَعَهُمْ وَقَدْ أَصَابُوا غَنَائِمَ لَا يُشَارِكُهُمْ فِيهَا إلَّا أَنْ يَلْقَوْا قِتَالًا فَيُقَاتِلَ مَعَهُمْ، لِأَنَّهُ مَا انْعَقَدَ لَهُ سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ مَعَهُمْ، وَإِنَّمَا كَانَ قَصْدُهُ مِنْ اللُّحُوقِ بِهِمْ الْفِرَارَ وَنَجَاةَ نَفْسِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ إلَّا أَنْ يُقَاتِلُوا فَيُقَاتِلَ مَعَهُمْ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَبَيَّنَ أَنَّهُ قَصَدَ بِاللَّحَاقِ بِهِمْ الْقِتَالَ، وَكَذَا مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَحِقَ بِالْعَسْكَرِ.

وَالْمُرْتَدُّ إذَا تَابَ وَلَحِقَ بِالْعَسْكَرِ، وَالتَّاجِرُ الَّذِي دَخَلَ بِأَمَانٍ إذَا لَحِقَ بِالْعَسْكَرِ إنْ قَاتَلُوا اسْتَحَقُّوا وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُمْ

(قَوْلُهُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ حَمُولَةٌ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ مِنْ بَعِيرٍ وَفَرَسٍ وَغَيْرِهِ (يَقْسِمُهَا بَيْنَهُمْ) فَقِيلَ: قِسْمَةُ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِلْحَاجَةِ فَتَكُونُ هَذِهِ الْقِسْمَةُ بِالِاجْتِهَادِ فَتَصِحُّ، وَقِيلَ قِسْمَةُ إيدَاعٍ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَيَسْتَرِدُّهَا فَيَقْسِمُهَا، ثُمَّ عَلَى هَذَا يَكُونُ بِالْأُجْرَةِ وَهَلْ يُكْرِهُهُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ فِي السِّيَرِ الصَّغِيرِ لَا يُكْرِهُهُمْ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِمَالِ الْغَيْرِ لَا يَطِيبُ مِنْ نَفْسِهِ، فَهُوَ كَمَنْ تَلِفَتْ دَابَّتُهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَمَعَ رَفِيقِهِ دَابَّةٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا كُرْهًا بِأَجْرِ الْمِثْلِ.

وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ إجَارَةٍ) أَيْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ احْتِرَازٌ عَنْ مِثْلِ مَا إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ إجَارَةِ السَّفِينَةِ فِي وَسَطِ الْبَحْرِ أَوْ الْبَعِيرِ فِي الْبَرِّيَّةِ فَإِنَّهُ تَنْعَقِدُ بَيْنَهُمَا إجَارَةٌ بِأَجْرِ الْمِثْلِ جَبْرًا.

وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ يُكْرِهُهُمْ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ الضَّرَرَ الْعَامَّ بِالضَّرَرِ الْخَاصِّ، وَلِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ رَاجِعَةٌ إلَيْهِمْ، وَالْأُجْرَةُ مِنْ الْغَنِيمَةِ. وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ إنْ خَافَ تَفَرُّقَهُمْ لَوْ قَسَمَهَا قِسْمَةَ الْغَنِيمَةِ يَفْعَلُ هَذَا وَإِنْ لَمْ يَخَفْ قَسَمَهَا قِسْمَةَ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ لِلْحَاجَةِ، وَفِيهِ إسْقَاطُ الْإِكْرَاهِ وَإِسْقَاطُ الْأُجْرَةِ.

وَقَوْلُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ أَيْ الْقُدُورِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>