إلَّا أَنَّهُ تَقَاعَدَ عَنْ سَلَبِ الْجَوَازِ فَلَا يَتَقَاعَدُ عَنْ إيرَاثِ الْكَرَاهَةِ.
(وَالرِّدْءُ وَالْمُقَاتِلُ فِي الْعَسْكَرِ سَوَاءٌ) لِاسْتِوَائِهِمْ فِي السَّبَبِ وَهُوَ الْمُجَاوَزَةُ أَوْ شُهُودُ الْوَقْعَةِ عَلَى مَا عُرِفَ، وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يُقَاتِلْ لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ لِمَا ذَكَرْنَا (وَإِذَا لَحِقَهُمْ الْمَدَدُ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجُوا الْغَنِيمَةَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ شَارَكُوهُمْ فِيهَا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ
أَيْ بُطْلَانِ الْقِسْمَةِ قَبْلَ الْإِحْرَازِ رَاجِحٌ عَلَى دَلِيلِ جَوَازِهَا، إلَّا أَنَّهُ تَقَاعُدٌ عَنْ سَلْبِ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ سَلْبُ الْجَوَازِ بِالِاتِّفَاقِ فَلَمْ يَبْطُلْ الْمَرْجُوحُ، وَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ حَصَلَ مِنْ مُعَارَضَةِ الدَّلِيلِينَ الرَّاجِحِ وَالْمَرْجُوحِ الْكَرَاهَةُ كَمَا فِي سُؤْرِ الْهِرَّةِ لَمَّا انْتَفَتْ النَّجَاسَةُ لَمْ تَنْتَفِ الْكَرَاهَةُ، وَهَذَا الْكَلَامُ يَنْبُو عَنْ الْقَوَاعِدِ، فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالرَّاجِحِ مِنْ الدَّلِيلِينَ وَتَرْكِ الْمَرْجُوحِ.
وَإِذَا كَانَ الرَّاجِحُ دَلِيلَ الْبُطْلَانِ تَعَيَّنَ الْحُكْمُ بِالْبُطْلَانِ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ الَّذِي تَرَجَّحَ عِنْدَهُ وَكُوِّنَ لَهُ مُخَالِفٌ وَلَا إجْمَاعَ لَا يُوجِبُ، بَلْ لَا يَجُوزُ لِذَلِكَ الْمُجْتَهِدِ النُّزُولُ عَنْ مُقْتَضَاهُ وَإِلَّا فَكُلُّ خِلَافِيَّةٍ مِنْ الْمَسَائِلِ كَذَلِكَ، وَإِذَا لَزِمَ حُكْمُ الْبُطْلَانِ فَمَا مُوجِبُ إثْبَاتِ الْكَرَاهَةِ؟ وَالتَّحْقِيقُ فِي سُؤْرِ الْهِرَّةِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَنْزِيهِيَّةٌ لِعَدَمِ تَحَامِيهَا مِنْ النَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ حُرْمَةِ اللَّحْمِ الْمُوجِبَ لِنَجَاسَةِ السُّؤْرِ عَارِضَةُ شِدَّةِ الْمُخَالَطَةِ وَتَرَجَّحَ عَلَيْهِ فَانْتَفَتْ النَّجَاسَةُ.
وَالْكَرَاهَةُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ يَحْتَاجُ خُصُوصُهُ إلَى دَلِيلٍ، وَشِدَّةُ الْمُخَالَطَةِ دَلِيلُ الطَّهَارَةِ فَقَطْ فَتَبْقَى الْكَرَاهَةُ بِلَا دَلِيلٍ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ، أَمَّا إذَا تَحَقَّقَتْ لَهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِالثِّيَابِ وَالْمَتَاعِ وَنَحْوِهِ قَسَمَهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ
(قَوْلُهُ وَالرِّدْءُ) أَيْ الْعَوْنُ (وَالْمُقَاتِلُ) أَيْ الْمُبَاشِرُ لِلْقِتَالِ مَعَ الْكُفَّارِ وَكَذَا أَمِيرُ الْعَسْكَرِ (سَوَاءٌ) فِي الْغَنِيمَةِ لَا يَتَمَيَّزُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَلَى آخَرَ بِشَيْءٍ، وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ لِاسْتِوَاءِ الْكُلِّ فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَسَنُبَيِّنُ سَبَبَهُ فِيمَا يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَإِذَا لَحِقَهُمْ الْمَدَدُ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجُوا الْغَنِيمَةَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ شَارَكُوهُمْ) أَيْ الْمَدَدَ (فِيهَا) وَعَنْ الشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلَانِ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ بِنَاءً عَلَى مَا مَهَّدْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمِلْكَ لَا يَتِمُّ لِلْغَانِمِينَ قَبْلَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ فَجَازَ أَنْ يُشَارِكَهُمْ الْمَدَدَ إذَا قَامَ بِهِ الدَّلِيلُ، وَلَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَدَدِ إلَّا بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ: الْإِحْرَازُ بِدَارِ الْإِسْلَامِ، وَالْقِسْمَةُ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَبَيْعُ الْإِمَامِ الْغَنِيمَةَ قَبْلَ لِحَاقِ الْمَدَدِ. هَذَا وَعَلَى مَا حَقَقْنَاهُ الْمَبْنِيُّ تَأَكَّدَ وَعَدَمُهُ، وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: «بَعَثَ ﵊ أَبَانًا عَلَى سَرِيَّةٍ قِبَلَ نَجْدٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute