ادْخُلُوا، فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ إِنْ أَمَرْتَنَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: ١٦٥] وَحِينَئِذٍ يَتَبَيَّنُ لِلْخَلْقِ أَنَّ بِرَّهُ فِي النَّارِ لِلْعَارِفِينَ أَكْثَرُ مِنْ بِرِّهِ فِي الْجَنَّةِ لِلْمُطِيعِينَ. وَقِيلَ: أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُطَيِّبَ النَّارَ كَمَا طَيَّبَ بَطْنَ الْحُوتِ بِإِلْقَاءِ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ; لِأَنَّ النَّارَ شَكَتْ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ: يَا رَبِّ مَا عَصَيْتُكَ قَطُّ، فَلِمَ جَعَلْتَنِي مَأْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ وَالْجَبَّارِينَ؟ فَقَالَ: أُرِيكِ الْأَنْبِيَاءَ وَالْمُطِيعِينَ. وَقِيلَ: لِيَرَى الْمُؤْمِنُونَ عِيَانًا مَا أَخْبَرَهُمْ بِهِ مِنْ نَجَاةِ إِبْرَاهِيمَ مِنْ نَارِ نمروذ فَقَالَ لِإِبْرَاهِيمَ: {يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء: ٦٩] وَقَالَ لِلْمُؤْمِنِينَ: وَرَدْتُمُوهَا وَهِيَ خَامِدَةٌ. وَقِيلَ: لِيَرَى الْكَفَرَةُ جَوْدَةَ عُنْصُرِ الْمُؤْمِنِينَ ; لِأَنَّ الْجَوْهَرَ الْأَصْلِيَّ لَا تَعْمَلُ فِيهِ النَّارُ وَلَا تُفْسِدُهُ، فَكَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ. وَقِيلَ: لِيُظْهِرَ لِلْخَلْقِ أَنَّهُ جَامِعُ النُّورِ وَالظُّلْمَةِ ; لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنَجِّي مِنَ الظُّلْمَةِ وَالْمَوْقِعُ فِيهَا. وَقِيلَ: لِيَرَى الْخَلْقُ كَمَالَ قُدْرَتِهِ، فِرْقَةٌ يَسْتَغِيثُونَ مِنَ النَّارِ، وَفِرْقَةٌ تَسْتَغِيثُ النَّارُ مِنْهُمْ، وَهَذَا كَمَا جُعِلَ الْمَاءُ رَحْمَةً عَلَى مُوسَى وَعُقُوبَةً عَلَى قَوْمِ فِرْعَوْنَ، كَذَلِكَ النَّارُ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، نِقْمَةٌ لِلْكَافِرِينَ. وَقِيلَ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَ النَّارَ أَنْ يَمْلَأَهَا، وَهِيَ لَا تُمْلَأُ بِالْكَفَرَةِ، فَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ فَيُورِدُ الْمُؤْمِنِينَ فِيهَا فَتُمْلَأُ وَتَقُولُ قَطْ.
وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّلَاثُونَ) . فَفِي " كَشْفِ الْأَسْرَارِ " أَنَّ طَاءَ شَجَرَةُ طُوبَى، وَسِينَ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى، وَمِيمَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ فِي قَوْلِهِ: {طسم} [الشعراء: ١] فَإِنَّ الطَّاءَ مِنْ ذِي الطَّوْلِ، وَالسِّينَ مِنَ الْقُدُّوسِ، وَالْمِيمَ مِنَ الرَّحْمَنِ، وَالْأَقْوَالُ فِي فَوَاتِحِ السُّوَرِ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ، وَالَّذِي أَخْتَارُهُ أَنَّهَا مِنَ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي لَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ. أَخْرَجَ ابن المنذر فِي تَفْسِيرِهِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ فَوَاتِحِ السُّوَرِ فَقَالَ: إِنَّ لِكُلِّ كِتَابٍ سِرًّا وَإِنَّ سِرَّ هَذَا الْقُرْآنِ فَوَاتِحُ السُّوَرِ.
وَأَمَّا السُّؤَالُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ: فَفِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ قَالَ النيسابوري: سَبْعُونَ ذَرَّةً تَزِنُ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، وَسَبْعُونَ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ تَزِنُ حَبَّةً.
وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: فَقَالَ السهروردي فِي " عَوَارِفِ الْمَعَارِفِ ": عِلْمُ الْيَقِينِ مَا كَانَ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ، وَعَيْنُ الْيَقِينِ مَا كَانَ مِنْ طَرِيقِ الْكُشُوفِ وَالنَّوَالِ، وَحَقُّ الْيَقِينِ مَا كَانَ بِتَحْقِيقِ الِانْفِصَالِ عَنْ لَوْثِ الصَّلْصَالِ بِوُرُودِ رَائِدِ الْوِصَالِ. وَقَالَ فارس: عَلِمُ الْيَقِينِ لَا اضْطِرَابَ فِيهِ، وَعَيْنُ الْيَقِينِ هُوَ الْعِلْمُ الَّذِي أَوْدَعَهُ اللَّهُ لِلْأَسْرَارِ، وَالْعِلْمُ إِذَا تَفَرَّدَ مِنْ نَعْتِ الْيَقِينِ كَانَ عِلْمًا بِشُبْهَةٍ، فَإِذَا انْضَمَّ إِلَيْهِ عَيْنُ الْيَقِينِ كَانَ عِلْمًا بِلَا شُبْهَةٍ، وَحَقُّ الْيَقِينِ هُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute