للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [المائدة: ٣٤] فَإِنَّهُ عَائِدٌ إلَى الْجَمِيعِ قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ إجْمَاعًا وقَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} [النساء: ٩٢] إلَى قَوْلِهِ {إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء: ٩٢] فَإِنَّهُ عَائِدٌ إلَى الْأَخِيرَةِ أَيْ الدِّيَةِ دُونَ الْكَفَّارَةِ قَطْعًا أَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: ٤] إلَى قَوْله تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: ٥] فَإِنَّهُ عَائِدٌ إلَى الْأَخِيرَةِ غَيْرُ عَائِدٍ إلَى الْأَوَّلِ أَيْ الْجَلْدِ قَطْعًا لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ وَفِي عَوْدِهِ إلَى الثَّانِيَةِ أَيْ عَدَمِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ الْخِلَافُ فَعِنْدَنَا نَعَمْ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا.

(وَ) الِاسْتِثْنَاءُ (الْوَارِدُ بَعْدَ مُفْرَدَاتٍ) نَحْوُ تَصَدَّقْ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ إلَّا الْفَسَقَةَ مِنْهُمْ (أَوْلَى بِالْكُلِّ) أَيْ بِعَوْدِهِ لِلْكُلِّ مِنْ الْوَارِدِ بَعْدَ جُمَلٍ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِ الْمُفْرَدَاتِ (أَمَّا الْقِرَانُ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ لَفْظًا) بِأَنْ تُعْطَفَ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى (فَلَا يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ) بَيْنَهُمَا (فِي غَيْرِ الْمَذْكُورِ حُكْمًا) أَيْ فِيمَا لَمْ يُذْكَرْ مِنْ الْحُكْمِ الْمَعْلُومِ لِإِحْدَاهُمَا مِنْ خَارِجٍ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ)

ــ

[حاشية العطار]

قَوْلُهُ {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [المائدة: ٣٤] فَإِنَّهُ عَائِدٌ إلَى الْجَمِيعِ أَيْ جَمِيعِ قَوْلِهِ {أَنْ يُقَتَّلُوا} [المائدة: ٣٣] وَمَا بَعْدَهُ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذِهِ مُفْرَدَاتٌ لَا جُمَلٌ؛ لِأَنَّ أَنْ الْمَصْدَرِيَّةَ وَالْفِعْلَ فِي تَأْوِيلِ مَصْدَرٍ وَهُوَ مُفْرَدٌ قَالَهُ النَّاصِرُ.

وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمْ تَسَمَّحُوا فِي عَدِّ مِثْلِ هَذِهِ جُمَلًا نَظَرًا إلَى أَصْلِهَا قَبْلَ دُخُولِ أَنْ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مَعَ ذَلِكَ مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَى الْعَوْدِ لِجَمِيعِ الْجُمَلِ السَّابِقَةِ عِنْدَ وُجُودِ الْقَرِينَةِ وَالتَّسَمُّحُ بِنَحْوِ ذَلِكَ شَائِعٌ فِي كَلَامِهِمْ بِحَيْثُ لَا يُسْتَنْكَرُ.

(قَوْلُهُ: عَائِدٌ إلَى الْأَخِيرَةِ) بَحَثَ فِيهِ النَّاصِرُ مِنْ أَنَّ كُلًّا مِنْ قَوْلِهِ {فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ} [النساء: ٩٢] وَقَوْلُهُ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: ٩٢] مُفْرَدٌ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُبْتَدَأٌ وَالثَّانِيَ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ.

وَأَجَابَ سم بِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ بَلْ يَجُوزُ كَوْنُهُ مُبْتَدَأً مُقَدَّرَ الْخَبَرِ أَيْ فَعَلَيْهِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَعَلَيْهِ دِيَةٌ فَيَكُونُ عَلَى عَطْفِ الْجُمَلِ.

(قَوْلُهُ: أَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ} [النور: ٤] إلَخْ) هَذَا الصَّنِيعُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: ٤] مَعْطُوفٌ عَلَى جُمْلَةِ فَاجْلِدُوهُمْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ كَغَيْرِهِ فَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ جَعَلَ جُمْلَةَ وَلَا تَقْبَلُوا مُنْقَطِعَةً عَنْ جُمْلَةِ فَاجْلِدُوهُمْ مَعَ أَنَّ كَوْنَهَا مَعْطُوفَةً عَلَيْهَا أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يَخْفَى وَمُنْشَأُ هَذَا الزَّعْمِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَبِلَ شَهَادَةَ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَحَكَمَ عَلَيْهِ بِعَدَمِ الْفِسْقِ وَلَمْ يُسْقِطْ عَنْهُ الْجَلْدَ فَلَزِمَ مِنْ ذَلِكَ تَعَلُّقُ الِاسْتِثْنَاءِ بِالْأَخِيرَتَيْنِ وَقُطِعَ لَا تَقْبَلُوا عَنْ اجْلِدُوا إذْ لَوْ كَانَ عَطْفًا عَلَيْهِ لَسَقَطَ الْجَلْدُ عَنْ التَّائِبِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَهُ مِنْ صَرْفِ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْكُلِّ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: قَطْعًا) أَيْ اتِّفَاقًا فِيهِمَا وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ آدَمِيٌّ إلَخْ بَيَانٌ لِقَرِينَةِ عَدَمِ عَوْدِهِ إلَى الْأَوَّلِ.

(قَوْلُهُ: الْخِلَافُ) أَيْ السَّابِقُ وَقَوْلُهُ فَعِنْدَنَا نَعَمْ أَيْ؛ لِأَنَّا نَقُولُ بِعَوْدِ الِاسْتِثْنَاءِ الْوَارِدِ بَعْدَ جُمَلٍ مُتَعَاطِفَةٍ إلَى جَمِيعِ الْجُمَلِ مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ فِي بَعْضِهَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا؛ لِأَنَّهُ يَخُصُّهُ بِالْأَخِيرَةِ فَعَدَمُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ وَهُوَ لَا يُصَدَّقُ بِالتَّوْبَةِ وَوَجْهُ كَوْنِهِ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ أَنَّهُ قَذَفَ بِلِسَانِهِ فَجَزَاؤُهُ قَطْعُهُ.

(قَوْلُهُ: مُفْرَدَاتٍ) أَيْ مَعْنًى وَلَفْظًا، فَإِنْ كَانَ فِي اللَّفْظِ جُمْلَةً، وَفِي الْمَعْنَى مُفْرَدًا وَرَدَ فِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ، فَإِنَّ الْجُمَلَ الْمُتَقَدِّمَةَ فِي آيَةِ {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ} [المائدة: ٣٣] الْآيَةَ فِي تَأْوِيلِ الْمُفْرَدَاتِ بِأَنْ الْمَصْدَرِيَّةِ ثُمَّ ظَاهِرُهُ أَنْ لَا خِلَافَ، وَقَدْ قَالَ فِي التَّمْهِيدِ: إنَّ التَّعْبِيرَ بِالْجُمَلِ قَدْ وَقَعَ عَلَى الْغَالِبِ، وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمُفْرَدَاتِ فَقَدْ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ: إذَا قَالَ: حَفْصَةُ وَعَمْرَةُ طَالِقَتَانِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّهُ مِنْ بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ عَقِبَ الْجُمَلِ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِ الْمُفْرَدَاتِ) أَيْ فَكَأَنَّهَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ (قَوْلُهُ: أَمَّا الْقِرَانُ) بِكَسْرِ الْقَافِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَ عُلَمَاءِ الْمَعَانِي بِالْوَصْلِ قَالَ سم: وَمُنَاسَبَةُ هَذَا لِمَا قَبْلَهُ ظَاهِرَةٌ فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ فِي ثُبُوتِ حُكْمِ إحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ لِلْأُخْرَى نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِي رُجُوعِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ بَعْدَ إحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ لِمَا قَبْلَهَا (قَوْلُهُ: لَفْظًا) مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ عَنْ النِّسْبَةِ أَوْ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، وَكَذَا قَوْلُهُ حُكْمًا وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الْقِرَانِ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ بِأَنْ يَتَبَيَّنَ اسْتِوَاؤُهُمَا فِيهِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا) بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ} [الأنعام: ١٤١] فَعَطَفَ وَاجِبًا عَلَى مُبَاحٍ قَالَهُ الشَّيْخُ خَالِدٌ (قَوْلُهُ: حُكْمًا) أَيْ فِي حُكْمِ غَيْرِ الْمَذْكُورِ

<<  <  ج: ص:  >  >>