أَوْ حَلَّقَ بَيْنَهُمَا بِرَأْسَيْهِمَا أَوْ بِوَضْعِ أُنْمُلَةِ الْوُسْطَى بَيْنَ عُقْدَتَيْ الْإِبْهَامِ أَتَى بِالسُّنَّةِ لَكِنْ مَا ذُكِرَ أَفْضَلُ.
(وَأَكْمَلُ التَّشَهُّدِ مَشْهُورٌ) وَرَدَ فِيهِ أَخْبَارٌ صَحِيحَةٌ اخْتَارَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْهَا خَبَرَ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ فَكَانَ يَقُولُ: التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ
ــ
[حاشية الجمل]
ثَلَاثَةٌ وَخَمْسُونَ وَاَلَّذِي يُسَمِّيهَا تِسْعَةً وَخَمْسِينَ يَجْعَلُ الْأَصَابِعَ الْمَقْبُوضَةَ تِسْعَةً بِالنَّظَرِ لِعُقَدِهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ أُصْبُعٍ فِيهِ ثَلَاثُ عُقَدٍ وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَقْبُوضَةِ هَلْ هِيَ ثَلَاثَةٌ أَوْ تِسْعَةٌ اهـ شَيْخُنَا ح ف.
(قَوْلُهُ أَوْ حَلَّقَ بَيْنَهُمَا) أَيْ: بَيْنَ الْإِبْهَامِ وَالْوُسْطَى أَيْ: أَوْقَع التَّحْلِيقَ بَيْنَهُمَا وَلَوْ أَسْقَطَ لَفْظَةَ بَيْنَ وَقَالَ أَوْ حَلَّقَهُمَا أَيْ: جَعَلَهُمَا كَالْحَلَقَةِ كَانَ أَظْهَرَ اهـ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ أَتَى بِالسُّنَّةِ) اُنْظُرْ أَيُّ هَذِهِ الْكَيْفِيَّاتِ أَفْضَلُ بَعْدَ الْأُولَى وَيَنْبَغِي أَنَّ التَّحْلِيقَ هُوَ الْأَفْضَلُ لِاقْتِصَارِ الرَّمْلِيِّ عَلَيْهِ فِي مُقَابَلَةِ الْأَظْهَرِ اهـ ع ش.
(قَوْلُهُ وَأَكْمَلُ التَّشَهُّدِ مَشْهُورٌ) وَلَا تُسْتَحَبُّ التَّسْمِيَةُ أَوَّلَ التَّشَهُّدِ فِي الْأَصَحِّ وَالْحَدِيثُ فِيهِ ضَعِيفٌ اهـ شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ فَكَانَ يَقُولُ: التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ إلَخْ) وَرَدَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ لَمَّا جَاوَزَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى غَشِيَتْهُ سَحَابَةٌ مِنْ نُورٍ فِيهَا مِنْ الْأَنْوَارِ مَا شَاءَ اللَّهُ فَوَقَفَ جِبْرِيلُ وَلَمْ يَسِرْ مَعَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ: أَتَتْرُكُنِي أَسِيرُ مُنْفَرِدًا؟ فَقَالَ جِبْرِيلُ: وَمَا مِنَّا إلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ، فَقَالَ: سِرْ مَعِي وَلَوْ خُطْوَةً فَسَارَ مَعَهُ خُطْوَةً فَكَادَ أَنْ يَحْتَرِقَ مِنْ النُّورِ وَالْجَلَالِ وَالْهَيْبَةِ وَصَغُرَ وَذَابَ حَتَّى صَارَ قَدْرَ الْعُصْفُورِ فَأَشَارَ عَلَى النَّبِيِّ بِالسَّلَامِ أَيْ: بِأَنْ يُسَلِّمَ عَلَى رَبِّهِ إذَا وَصَلَ مَكَانَ الْخِطَابِ فَلَمَّا وَصَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَيْهِ قَالَ: التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ فَأَحَبَّ النَّبِيُّ أَنْ يَكُونَ لِعِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ نَصِيبٌ مِنْ هَذَا الْمَقَامِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ فَقَالَ: جَمِيعُ أَهْلِ السَّمَوَاتِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ» هَذَا وَإِنَّمَا لَمْ يَحْصُلْ لِلنَّبِيِّ مِثْلُ مَا حَصَلَ لِجِبْرِيلَ مِنْ الْمَشَقَّةِ وَعَدَمِ الطَّاقَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ مُرَادٌ وَمَطْلُوبٌ فَأَعْطَاهُ اللَّهُ قُوَّةً وَاسْتِعْدَادًا لِتَحَمُّلِ هَذَا الْمَقَامِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَخْلُوقَاتِ لَمْ يُطِقْ أَحَدٌ مِنْهُمْ هَذَا الْمَقَامَ وَلِذَلِكَ لَمَّا تَجَلَّى اللَّهُ عَلَى الْجَبَلِ انْدَكَّ وَغَارَ فِي الْأَرْضِ وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا مِنْ الْجَلَالِ؛ لِأَنَّ مُوسَى مُرِيدٌ وَطَالِبٌ وَمُحَمَّدًا مُرَادٌ وَمَطْلُوبٌ وَفَرْقٌ كَبِيرٌ بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف عِنْدَ قِرَاءَتِهِ لِلْمِعْرَاجِ.
(فَائِدَةٌ) قَالَ ابْنُ عَرَبِيٍّ: إذَا قُلْت السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَوْ سَلَّمْت عَلَى أَحَدٍ فِي الطَّرِيقِ فَقُلْت السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَأَحْضِرْ فِي قَلْبِك كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ لِلَّهِ مِنْ عِبَادِهِ فِي الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ وَمَيِّتٍ وَحَيٍّ فَإِنَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَقَامِ يَرُدُّ عَلَيْك فَلَا يَبْقَى مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلَا رُوحٌ مُطَهَّرٌ يَبْلُغُهُ سَلَامُك إلَّا وَيَرُدُّ عَلَيْك وَهُوَ دُعَاءٌ فَيُسْتَجَابُ لَك فَتَفْلَحَ وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ سَلَامُك مِنْ عِبَادِ اللَّهِ الْمُهَيْمِنِ فِي جَلَالِهِ الْمُشْتَغِلِ بِهِ فَأَنْتَ قَدْ سَلَّمْت عَلَيْهِ بِهَذَا الشُّمُولِ فَاَللَّهُ يَنُوبُ عَنْهُ فِي الرَّدِّ عَلَيْك وَكَفَى بِهَذَا شَرَفًا لَك حَيْثُ سَلَّمَ عَلَيْك الْحَقُّ فَلَيْتَهُ لَمْ يَسْمَعْ أَحَدٌ مِمَّنْ سَلَّمْت عَلَيْهِ حَتَّى يَنُوبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ الْكُلِّ فِي الرَّدِّ عَلَيْك اهـ مِنْ شَرْحِ الْمُنَاوِيِّ الْكَبِيرِ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اهـ ع ش عَلَى م ر فِي الْجِهَادِ وَعِبَارَتُهُ هُنَا فَمَنْ تَرَكَ صَلَاةً وَاحِدَةً فَقَدْ ظَلَمَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَمِيعَ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ بِمَنْعِ مَا وَجَبَ لَهُمْ مِنْ السَّلَامِ عَلَيْهِمْ انْتَهَتْ.
وَذَكَرَ الْفَشْنِيُّ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ أَنَّهُ وَرَدَ «أَنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً اسْمُهَا التَّحِيَّاتُ وَعَلَيْهَا طَائِرٌ اسْمُهُ الْمُبَارَكَاتُ وَتَحْتَهَا عَيْنٌ اسْمُهَا الطَّيِّبَاتُ فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ ذَلِكَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ نَزَلَ ذَلِكَ الطَّائِرُ مِنْ عَلَى تِلْكَ الشَّجَرَةِ وَانْغَمَسَ فِي تِلْكَ الْعَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا وَهُوَ يَنْفُضُ أَجْنِحَتَهُ فَيَتَقَطَّرُ مِنْ عَلَيْهِ الْمَاءُ فَيَخْلُقُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ كُلِّ قَطْرَةٍ قَطَرَتْ مِنْهُ مَلَكًا يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى لِذَلِكَ الْعَبْدِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ أَيُّهَا النَّبِيُّ) بِالْهَمْزِ وَتَرَكَهُ مَعَ التَّشْدِيدِ فَإِنْ تَرَكَهُمَا مَعًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ اهـ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ أَيْضًا أَيُّهَا النَّبِيُّ) لَوْ صَرَّحَ بِحَرْفِ النِّدَاءِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ أَفْتَى حَجّ بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ مِنْ الْعَامِدِ الْعَالِمِ لِعَدَمِ وُرُودِهِ؛ لِأَنَّهُ زَادَ حَرْفَيْنِ وَعُورِضَ بِأَنَّهَا زِيَادَةٌ لَا تُغَيِّرُ الْمَعْنَى بَلْ هِيَ تَصْرِيحٌ بِالْمَعْنَى وَقَدْ قَالُوا: إنَّ زِيَادَةَ الْحَرْفِ لَا تُبْطِلُ إلَّا إنْ غَيَّرَتْ الْمَعْنَى وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَرْفِ وَالْحَرْفَيْنِ قُلْت الَّذِي ذَكَرَهُ حَجّ فِي التُّحْفَةِ فِي الْمُبْطِلَاتِ وَاعْتَمَدَهُ عَدَمُ الْبُطْلَانِ بِذَلِكَ وَنَقَلَهُ أَيْضًا عَنْ إفْتَاءِ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَرَدَّ مَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُهُمْ مِنْ الْبُطْلَانِ اهـ ح ل.
وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر وَلَا يَضُرُّ زِيَادَةُ " يَا " قَبْلَ أَيُّهَا كَمَا ذَكَرَهُ حَجّ فِي فَصْلٍ تَبْطُلُ بِالنُّطْقِ بِحَرْفَيْنِ وَعِبَارَتُهُ وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِإِبْطَالِ زِيَادَةِ يَا قَبْلَ أَيُّهَا النَّبِيُّ فِي التَّشَهُّدِ أَخْذًا بِظَاهِرِ كَلَامِهِمْ هُنَا لَكِنَّهُ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَجْنَبِيًّا عَنْ الذِّكْرِ بَلْ يُعَدُّ مِنْهُ وَمِنْ ثَمَّ أَفْتَى شَيْخُنَا بِأَنَّهُ لَا بُطْلَانَ بِهِ انْتَهَتْ وَأَقَرَّهُ سم عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ لَا بُطْلَانَ بِهِ أَيْ: وَإِنْ كَانَ عَامِدًا عَالِمًا انْتَهَتْ