أَمَّا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ فَلِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ مَا خَلَا شَرْعٌ عَنْ اسْتِصْلَاحٍ، وَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ عِلَّةٍ. وَالْأَقْرَبُ فِيهِ الْوَقْفُ. وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ التَّفْصِيلِ: فَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْقِصَاصِ فَيَرُدُّهُ أَنَّ الْقِصَاصَ إنَّمَا عُلِمَ وُجُوبُهُ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: ٤٥] وَذَلِكَ لَا يُوَافِقُ قَوْلَهُمْ: يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ الْقِصَاصِ بُطْلَانُ الْعَالَمِ. فَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ فِي الْخَمْرِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهَا كَانَتْ مُبَاحَةً فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ حُرِّمَتْ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ بَعْدَ غَزْوَةِ أُحُدٍ: قِيلَ: بَلْ كَانَ الْمُبَاحُ شُرْبُ الْقَلِيلِ الَّذِي لَا يُسْكِرُ، لَا مَا يَنْتَهِي إلَى السُّكْرِ الْمُزِيلِ لِلْعَقْلِ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ فِي كُلِّ مِلَّةٍ.
قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي شِفَاءِ الْعَلِيلِ "، وَحَكَاهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ فِي تَفْسِيرِهِ " عَنْ الْقَفَّالِ الشَّاشِيِّ ثُمَّ نَازَعَهُ وَقَالَ: تَوَاتَرَ الْخَبَرُ حَيْثُ كَانَتْ مُبَاحَةً بِالْإِطْلَاقِ، وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّ الْإِبَاحَةَ كَانَتْ إلَى حَدٍّ لَا يُزِيلُ الْعَقْلَ. وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ ". فَأَمَّا مَا يَقُولُهُ بَعْضُ مَنْ لَا تَحْصِيلَ عِنْدَهُ أَنَّ الْمُسْكِرِ لَمْ يَزَلْ مُحَرَّمًا فَبَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ. انْتَهَى. وَقَدْ نَاقَشَهُمْ الْأَصْفَهَانِيُّ صَاحِبُ النُّكَتِ " مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى مَقْصُودِ الشَّرْعِ إنَّمَا تَحْصُلُ بِإِيجَابِ الْقِصَاصِ وَالْحَدِّ، لَا بِالْقَتْلِ وَالسَّرِقَةِ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تُخِلُّ بِمَقْصُودِ الشَّرْعِ فَيَكُونُ الْمُنَاسِبُ هُوَ الْحُكْمُ الْمُتَضَمِّنُ لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى الْمَقْصُودِ، لَا الْوَصْفُ وَهُوَ السَّرِقَةُ وَالْقَتْلُ وَالرِّدَّةُ. وَهَذَا بَاطِلٌ، لِأَنَّ الْمُنَاسَبَةَ صِفَةُ السَّرِقَةِ وَالرِّدَّةِ. وَغَيْرِهَا، لِأَنَّهُ يُقَالُ: السَّرِقَةُ تُنَاسِبُ الْقَطْعَ، وَالْقَتْلُ يُنَاسِبُ الْقِصَاصَ، وَلَا يُقَالُ: إيجَابُ الْقِصَاصِ مُنَاسِبٌ. وَقَدْ زَادَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ (سَادِسًا) وَهُوَ: حِفْظُ الْأَعْرَاضِ، فَإِنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute