أَهْلِ الْعَصْرِ مِنْ غَيْرِ جُحُودٍ ذَكَرَهُ بَعْضُ الْجَدَلِيِّينَ.
وَإِذَا قُلْنَا بِالْأَوَّلِ: فَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ: فَشَرَطَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَتَّفِقَ عَلَيْهِ الْخَصْمَانِ فَقَطْ لِتَنْضَبِطَ فَائِدَةُ الْمُنَاظَرَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَيْنَ الْأُمَّةِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. وَاخْتَارَ فِي " الْمُنْتَهَى " أَنَّ الْمُعْتَرِضَ إنْ كَانَ مُقَلِّدًا لَمْ يُشْتَرَطْ الْإِجْمَاعُ إذْ لَيْسَ مَنْعُ مَا ثَبَتَ: مَذْهَبًا لَهُ، وَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا اُشْتُرِطَ، لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَيْسَ مُرْتَبِطًا بِإِمَامٍ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْحُكْمُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ وَلَا مَنْصُوصًا عَلَيْهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ فِي الْأَصْلِ فَبَطَلَ الْقِيَاسُ أَوْ يُعَيِّنَ عِلَّةً لَا تَتَعَدَّى إلَى الْفَرْعِ. وَهَذَا تَفْصِيلٌ حَسَنٌ، لَكِنَّ وُقُوعَهُ بَعِيدٌ. ثُمَّ إذَا اتَّفَقَا عَلَى إثْبَاتِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ نُظِرَ: فَإِنْ كَانَ بِعِلَّتَيْنِ فَالْعِلَّةُ عِنْدَ الْخَصْمِ غَيْرُ الْعِلَّةِ عِنْدَ الْمُسْتَدِلِّ، فَهُوَ مُرَكَّبُ الْأَصْلِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ، أَيْ مَا جُعِلَ جَامِعًا، وَصْفَانِ يَصْلُحُ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ عِلَّةً، كَمَا فِي قِيَاسِ حُلِيِّ الْبَالِغَةِ عَلَى حُلِيِّ الصَّبِيَّةِ، فَإِنَّ عَدَمَ الْوُجُوبِ فِي حُلِيِّ الصَّبِيَّةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ لَكِنْ لِعِلَّتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ، فَإِنَّهُ عِنْدَنَا لِعِلَّةِ كَوْنِهِ حُلِيًّا، وَعِنْدَهُمْ لِعِلَّةِ كَوْنِهِ مَالًا لِلصَّبِيَّةِ، وَالْمُعْتَرِضُ عَلَى أَحَدِ الْحُسْنَيَيْنِ لِأَنَّ عِلَّتَهُ إنْ كَانَتْ هِيَ الصَّحِيحَةُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ انْقَطَعَ قِيَاسُ خَصْمِهِ، وَإِنْ كَانَتْ عِلَّةُ الْمُعْتَرِضِ هِيَ الْبَاطِلَةُ مُنِعَ حُكْمُ الْأَصْلِ فَانْقَطَعَ الْقِيَاسُ أَيْضًا.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يُسَمَّ مُرَكَّبًا لِاخْتِلَافِ الْحُكْمَيْنِ فِي عِلَّةِ حُكْمِ الْأَصْلِ فَقَطْ، كَمَا صَارَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ، وَإِلَّا لَكَانَ كُلُّ قِيَاسٍ اخْتَلَفَ فِي عِلَّةِ أَصْلِهِ مُرَكَّبًا، وَهُوَ بَاطِلٌ، بَلْ لِاخْتِلَافِ الْخَصْمِ فِي تَرْكِيبِ الْحُكْمِ عَلَى الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ فَإِنَّ الْمُسْتَدِلَّ. يَزْعُمُ أَنَّ الْعِلَّةَ مُسْتَنْبَطَةٌ مِنْ حُكْمِ الْأَصْلِ وَهِيَ فَرْعٌ لَهُ، وَالْمُعْتَرِضُ يَزْعُمُ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْأَصْلِ فَرْعٌ عَلَى الْعِلَّةِ وَلَا طَرِيقَ إلَى إثْبَاتِهِ سِوَاهَا، وَلِذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute