للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموضع (١) لعلي أجد به (٢) أحدًا من زوار القبور فأعلمه بالذي رأيت، قال (٣): فمضيت (٤) إلى المكان الذي كنت فيه بالأمس فلم أر أحدًا، فأخذني النوم فنمت، فإذا أنا بصاحب القبر وهو يسحب على وجهه ويقول: وا ويلتاه (٥) ماذا حل بي ساء في الدنيا عملي، وطال فيها أجلي حتى غضب علي رب الأرباب، فالويل لي إن لم يرحمني ربي، قال الحارث: فاستيقظت وقد تولّه (٦) عقلي مما رأيت وسمعت، فمشيت إلى داري، وبت ليلتي، فلما أصبحت أتيت القبر لعلي أجد أحدًا من زوار القبور فأعلمه بما رأيت، ثم نمت فإذا أنا بصاحب القبر قد قرن بين قدميه وهو يقول: ما أغفل أهل الدنيا عني، ضوعف علي العذاب، وتقطعت عني الحيل والأسباب، وغضب علي رب الأرباب وغلّق في وجهي كل باب فالويل لي إن لم يرحمني ربي العزيز الوهاب، قال الحارث: فاستيقظت من منامي مرعوبًا، وهممت بالانصراف، فإذا بثلاث جوارٍ قد أقبلن فتباعدت لهن (٧) عن القبر وتواريت لكي أسمع كلامهنّ، فتقدمت الصغرى ووقفت على القبر وقالت: السلام عليك يا أبتاه، كيف هدوءك في مضجعك؟ وكيف قرارك في موضعك، ذهبت عنا بودك، وانقطع عنا سؤالك، فما أشد حزننا (٨) عليك، ثم بكت بكاء شديدًا، ثم تقدمت الابنتان فسلَّمن على القبر، ثم قالتا هذا قبر أبينا الشفيق علينا، والرحيم بنا آنسك الله بملائكة رحمته، وصرف عنك عذابه ونقمته، يا أبتاه جرت بعدك أمورٌ لو عاينتها لأهمتك، ولو اطلعت عليها لأحزنتك، كشف الرجال وجوهنا وقد كنت أنت سترتها. قال الحارث: فبكيت لما سمعت كلامهن، ثم قمت مسرعًا إليهن فسلمت عليهن، وقلت لهن: أيها الجوارِ إن الأعمال ربما قُبلت وربما رُدت على صاحبها، فما كان عمل أبيكن المخلد في هذا القبر الذي عاينت من أمره ما


(١) في (ع، ظ): إلى الموضع الذي كنت فيه.
(٢) (به): ليست في (ع، ظ).
(٣) (قال): ليست في (ظ).
(٤) في (ظ): فلما مضيت.
(٥) في (ع، ظ): يا ويلتاه.
(٦) الوَلَه: ذهاب العقل والتحير من شدة الوجد أو الحزن أو الخوف، لسان العرب ١٣/ ٥٦١.
(٧) (لهن): ليست في (ظ).
(٨) في (ع): حسرتنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>