للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ذكر في هذا المعنى أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة (١) في كتاب عيون الأخبار له (٢) حكاية فيها طول رأينا ذكرها؛ لاشتمالها على وعظ وتذكير (٣) وتخويف وتحذير، وتضرع وابتهال، ودعاء بالموت وانتقال.

روي عن الحارث بن نبهان (٤) أنه قال: كنت أخرج إلى الجبانات (٥) فأترحم (٦) على أهل القبور وأتفكر وأعتبر، وأنظر إليهم سكوتًا لا يتكلمون وجيرانًا لا يتزاورون، وقد صار لهم من بطن الأرض وطاء، ومن ظهرها غطاء، وأنادي يا أهل القبور: محيت من (٧) الدنيا آثاركم وما محيت عنكم أوزاركم، وسكنتم دار البلى فتورمت أقدامكم، قال: ثم بكى بكاءً شديدًا، ثم يميل إلى قبة فيها قبر (٨) فينام في ظلها، قال: فبينما أنا نائم إلى جانب القبر إذا أنا بحس مقمعة يضرب بها صاحب القبر وأنا انظر إليه والسلسلة في عنقه وقد ازرقت عيناه واسود وجهه وهو يقول: يا ويلي ماذا حلّ بي؟ لو رأوني (٩) أهل الدنيا (١٠) لما (١١) ركبوا معاصي الله أبدًا، طولبتُ والله باللذات فأوثقتني (١٢) وبالخطايا فأغرقتني، فهل من شافع لي؟ أو مخبر أهلي بي (١٣)؟ قال الحارث: فاستيقظت مرعوبًا، وكاد أن يخرج قلبي من هول ما رأيت، فمضيت إلى داري وبت ليلتي وأنا متفكر فيما رأيت، فلما أصبحت قلت: دعني أعود إلى


(١) أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، تقدمت ترجمته ص (٢٦٥).
(٢) لم أجد هذه القصة في عيون الأخبار المطبوع لابن قتيبة.
(٣) في (الأصل): تذكر، وتصويبه من (ع، ظ).
(٤) راوي هذه الحكاية الحارث بن نبهان، متروك الحديث عند أهل الحديث، قال النسائي عنه: متروك الحديث، الضعفاء والمتروكين له ص (٢٩) رقم ١١٦؛ وقال: يحيى بن معين عنه: ليس بشيء، تاريخ يحيى بن معين رواية الدوري ٤/ ٨٧ رقم ٣٢٨٥.
(٥) الجبانة: المقبرة، القاموس المحيط ص (١٥٣٠).
(٦) في (ع): فأرحم.
(٧) في (ظ): عن.
(٨) (فيها قبر): ليست في (ع).
(٩) في (ظ): رآني.
(١٠) هذه لغة أكلوني البراغيث.
(١١) في (ظ): في (ع، ظ): ما.
(١٢) في (ع، ظ): فأوبقتني.
(١٣) في (ع، ظ): بأمري.

<<  <  ج: ص:  >  >>