متق مفازة. فإن قلت:{لَا يَمَسُّهُمُ} ما محله من الإعراب على التفسيرين؟ قلت: أما على التفسير الأول: فلا محل له؛ لأنه كلام مستأنف. وأما على الثاني: فمحله النصب على الحال.
قوله:(على التفسيرين)، أحدهما: أن تكون الباء في {بِمَفَازَتِهِمْ} حالًا أو صلة؛ نحو: كتبت بالقلم، والمراد بالمفازة: الفلاح والفوز بالمطلوب وإدراك السعادة الأزلية.
وقوله تعالى:{إِنَّ الّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ}[الأنبياء: ١٠١] إشارة إلى هذا المعنى.
نقل الواحدي عن المبرد أنه قال: المفازة: مفعلة من الفرز، وهو السعادة، وإن جمع فحسن، كقولك: السعادة والسعادات. والمعنى: ينجيهم الله بفوزهم- أي: بنجاتهم- من النار، وفوزهم بالجنة. تم كلامه.
ولما كان اهتمام شأن المتقين حينئذ التفادي عما لحق المكذبين على الله من سواد الوجوه والثوي في جهنم؛ لقوله تعالى:{تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ في جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ} أو قوله: {لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} بيانًا له، فظهر أن المتقين هم المصدقون الذين تواضعوا وأخبتوا لله، والمراد بـ"السوء": سواد الوجوه، وبـ"الحزن": الثواء في جهنم.
والثاني: أن يراد بـ"المفازة": العمل على الوجوه المذكورة، والباء: للتسبب، و {لَا يَمَسُّهُمُ} حال، والمعنى: وينجي الله الذين اتقوا بسبب أعمالهم غير ملتبسين بالسوء والحزن، فقوله:"لا محل له؛ لأنه كلام مستأنف" إشارة إلى قوله: "كأنه قيل: وما مفازتهم؟ فقيل: لا يمسهم السوء".