الْعَذابِ} [آل عمران: ١٨٨] أي: بمنجاة منه، لأنّ النجاة من أعظم الفلاح، وسبب منجاتهم العمل الصالح؛ ولهذا فسر ابن عباس رضي الله عنهما المفازة بالأعمال الحسنة. ويجوز: بسبب فلاحهم؛ لأنّ العمل الصالح سبب الفلاح؛ وهو دخول الجنة. ويجوز أن يسمى العمل الصالح في نفسه: مفازة؛ لأنه سببها. وقرئ:(بمفازاتهم)، على أن لكل
واعلم أن "مفازتهم" قد فسر أولًا بفلاحهم حقيقة، يدل عليه قوله:"يقال: فاز بكذا؛ إذا ظفر بمراده". وقال في "الأساس": طوبى لمن فاز بالثواب، وفاز من العقاب، أي: ظفر ونجا. وثانيًا: بالمنجاة مجازًا، ولذلك علله بقوله:"لأن النجاة من أعظم الفلاح"، وقال في "الأساس": ومن المجاز: المفازة، سميت باسم المنجاة على سبيل التفاؤل، وفوز المسافر: ركب المفازة ومضى فيها. ولما لم يستتب معنى السببية بهذا التفسير قال:"وسبب منجاتهم العمل الصالح"، ورجع المعنى إلى قوله:"ينجي الله الذين اتقوا بسبب منجاتهم"، المسبب عن العمل، فهو مجاز في المرتبة الثانية. وثالثًا: بالفلاح المفسر بدخول الجنة المسبب عن العمل، وهو قريب من الوجه السابق، فالفلاح على الأول هو النجاة من العذاب، وعلى هذا: الظفر بالمراد. ورابعًا: بالعمل الصالح، لكن في المرتبة الأولى؛ لأن الفوز والفلاح مترادفان.
ويمكن أن يقال: إن "مفازتهم" على الوجه الثاني كناية تلويحية؛ لأن "المفازة" التي هي الفلاح دلت على النجاة، والنجاة على العمل الصالح، وعلى الثالث: كناية رمزية؛ لأنه استدل بفلاحهم المفسر بدخول الجنة على وجود العمل، وعلى الرابع: مجاز مرسل من إطلاق المسبب على السبب.
وقيل: قوله: (ويجوز أن يسمى) إلى آخره، تأكيد لإرادة العمل بالمفازة، لأنها سببها، وليس بشيء.
قوله: (وقرئ "بمفازاتهم")، أبو بكر وحمزة، والباقون" {بِمَفَازَتِهِمْ} بغير ألف. قال أبو علي: الإفراد للمصدر والجمع؛ لأن المصادر قد تجمع إذا اختلفت أجناسها.