وابن مسعود:(يغفر الذنوب جميعًا لمن يشاء)، والمراد بمن يشاء: من تاب؛ لأن مشيئة الله تابعة لحكمته وعدله، لا لملكه وجبروته. وقيل: في قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وفاطمة رضي الله عنها: (يغفر الذنوب جميعًا ولا يبالي)،
عليه قوله:{إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ} على سبيل العموم للتعليل اهتمامًا واعتناءً بشأن الترغيب إلى الإنابة، وإخلاص العمل لله تعالى.
قال القاضي: تقييد {إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} بالتوبة خلاف الظاهر، ويدل على إطلاقه فيما عدا الشرك: قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ}، والتعليل بقوله:{إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ} على المبالغة وإفادة الحصر، والوعد بالرحمة بعد المغفرة، وتقديم ما يستدعي عموم المغفرة بما في (عبادي) من الدلالة على الذلة والاختصاص المقتضيين للترحم، وتخصيص ضرر الإسراف بأنفسهم، والنهي عن القنوط عن الرحمة مطلقًا فضلًا عن المغفرة وإطلاقها، وتعليله بـ {إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}، ووضع اسم "الله" موضع الضمير لدلالته على أنه المستغني والمنعم على الإطلاق، والتأكيد بـ"الجميع". وما روي من أسباب النزول لا ينفي عمومها، وكذا قوله:{وَأَنِيبُوا} فإنها لا تدل على حصول المغفرة لكل أحد بالتوبة.
قوله:(يغفر الذنوب جميعًا ولا يبالي)، جاء في "مسند الإمام أحمد بن حنبل" و "سنن الترمذي" عن أسماء بنت يزيد قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ: " {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} ولا يبالي".
وقلت: معناه: لا يبالي بما تقول المعتزلة: إن التوبة شرط، لأنه تحجر للواسع، وإن مشيئة الله تابعة لحكمته وعدله، لا لملكه وجبروته، لأن عدم المبالاة من الجبروت.