والظاهر أنهم تمسكنوا له وطلبوا إليه أن يتصدّق عليهم، ومن ثم رق لهم وملكته الرحمة عليهم، فلم يتمالك أن عرّفهم نفسه. وقوله:(إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ) شاهد لذلك لذكر الله وجزائه، والصدقة: العطية التي تبتغى بها المثوبة من الله: ومنه قول الحسن - لمن سمعه يقول: اللهمّ تصدق عليّ: إن الله تعالى لا يتصدق، إنما يتصدق الذي يبتغي الثواب، قل: اللهم أعطني، أو تفضل عليّ، أو ارحمني.
[(قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ)].
(قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ) أتاهم من جهة الدين، وكان حليما موفقاً، فكلمهم مستفهماً عن وجه القبح الذي يجب أن يراعيه التائب، فقال:(هل علمتم) قبح (ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ) لا تعلمون قبحه، فلذلك أقدمتم عليه، يعني: هل علمتم قبحه فتبتم إلى الله منه، لأنّ علم القبح يدعو إلى الاستقباح، والاستقباح يجرّ إلى التوبة، .....
قوله:(والظاهر أنهم تمسكنوا له)، أي: أظهروا المسكنة، وتكلفوها ليرق لهم ويرحمهم لما نالوا من النصب، فجعلوا طلب الصدقة وسيلة إليه، لأن طالب الصدقة لا يكون إلا مسكيناً، وينصره تذييله بقوله:(إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ)، لأن ذكر الله يدل على الاستشفاع.
قوله:(هل علمتم قبحه فتبتم إلى الله منه)، يعني: استفهم بـ "هل" من كان عالماً بما فعله، وجعل الفعل ماضياً، وقيده بقوله:(إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ) ليفيد الحث على التوبة، يعني: هل استمر ذلك الجهل بقبح الفعل أم تدورك بالعلم الموجب للرجوع منه وتلافيه بالتوبة، فإن العاقل إذا تجلى له قبح القبيح لا يتوقف رجوعه منه، ولهذا الترتيب جاء بالفاء في قوله:"فتبتم".