وخلوف الفم. وقرأ جعفر الصادق رضي الله عنه:"خالفوا"، وقرأ الأعمش:"وعلى الثلاثة المخلفين".
(بِما رَحُبَتْ) برحبها، أي: مع سعتها، وهو مثل للحيرة في أمرهم، كأنهم لا يجدون فيها مكاناً يقرّون فيه قلقاً وجزعا مما هم فيه، (وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ) أي: قلوبهم، لا يسعها أنس ولا سرور، لأنها حرجت من فرط الوحشة والغمّ، (وَظَنُّوا): وعلموا (أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ) سخط (اللَّهِ إِلَّا) إلى استغفاره، (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا): ثم رجع عليهم بالقبول والرحمة كرّة بعد أخرى، ليستقيموا على توبتهم ويثبتوا، أو: ليتوبوا أيضاً فيما يستقبل إن فرطت منهم خطيئة، علماً منهم أن الله تواب على من تاب، ولو عاد في اليوم مئة مرة.
قوله:(وخلوف الفم)، النهاية:"الخلفة -بالكسر- تغير ريح الفم، وأصلها في النبات: أن ينبت الشيء بعد الشيء، لأنها رائحة حديثة بعد الراحة الأولى، يُقال: خلف فمه خلفة وخلوفاً".
قوله:((أَنْفُسَهُمْ): أي: قلوبهم): أي: لا يجوز أن تُجرى الأنفس- وهي الذوات- على معناها الحقيقي، لأن الضيق والسعة لا يستعملان فيها، فتكون مجازاً عن القلوب، لأن النفوس بها، كقوله:"المرء بأصغريه"، كما سبق في البقرة.
قوله:(ثم رجع عليهم بالقبول): يعني: قوله: (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ) تكرير لقوله: (وَعَلَى الثَّلاثَةِ)، لأنه معطوف على قوله:(لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ)[التوبة: ١١٧]، وليس التكرير للتوكيد فقط، بل مع الاستيعاب، ولذلك قال:"كرة بعد أخرى"، وهذا يدل على أن (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ) - في تلك الآية- إذا كان للتكرير هو الوجه.
قوله:(أو ليتوبوا أيضاً فيما يُستقبل): يعني: أنه تعالى عاملهم بقبول التوبة والرحمة مرة