ولا يخذلهم، إلا إذا أقدموا عليه بعد بيان حظره عليهم، وعلمهم أنه واجب الاتقاء والاجتناب، وأما قبل العلم والبيان فلا سبيل عليهم، كما لا يؤاخذون بشرب الخمر، ولا ببيع الصاع بالصاعين قبل التحريم.
وهذا بيان لعذر من خاف المؤاخذة بالاستغفار للمشركين قبل ورود النهى عنه.
وفي هذه الآية شديدة ما ينبغي أن يغفل عنها، وهي أنّ المهديَّ للإسلام إذا أقدم على بعض محظورات الله داخل في حكم الإضلال،
وقلت: بل الحق ما ذكره المصنف؛ لأن الآيات الثلاث المصدرة بقوله:(مَا كَانَ) في نظام واحد، وهو في الآية الأولى والثانية بمعنى: لا ينبغي، المعنى: لا يصح ولا يستقيم مِنَ المؤمنينَ أن يستغفروا للمشركين مِنْ بعدِ ما بين الله تعالى لهم أنهم من أصحاب النار، وكذلك لا يستقيم من لُطف الباري وأفضاله أن يَذُم المؤمنين ويؤاخذهم ويسميهم ضُلالاً حتى يبين لهم ما يتقون، وهو أن الاستغفار على من مات مشركاً غير جائز، فإذا بين لهم ذلك فلم يتركوا الاستغفار فحينئذ يسميهم ضُلالاً ويذمهم، ثم أوقع حال الخليل عليه السلام بين الآيتين مستطرداً مؤكداً كالاعتراض، ويؤديه كلام القاضي:" (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً) أي: ليسميهم ضُلالاً ويؤاخذهم".
قوله:(كما لايؤاخذون بشُرب الخمر، ولا ببيع الصاع بالصاعين): يعني: الاستغفار لآباء المشركين من قبيل هاتين المعصيتين؛ في أن العقل يجوز ذلك قبل ورود الشرع.
قوله:(وفي هذه الآية شديدة): أي: خصلة أو بلية أو قارعة أو داهية، حذف الموصوف، كما حُذف الصلة في قولهم:"جاء بعد اللتيا والتي"؛ لشدة الأمر وفظاعته.