للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لأن قوله: (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ) (وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ) في معنى. لأثيبنهم. و (عِنْدَهُ) مثل، أي: أن يختص به وبقدرته وفضله، لا يثيبه غيره ولا يقدر عليه، كما يقول الرجل: عندي ما تريد، يريد اختصاصه به وبملكه وإن لم يكن بحضرته، وهذا تعليم من اللَّه كيف يدعى وكيف يبتهل إليه ويتضرّع؟ وتكرير (رَبَّنا) من باب الابتهال، وإعلام بما يوجب حسن الإجابة وحسن الإثابة، من احتمال المشاق في دين اللَّه،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (من باب الابتهال)، النهاية: هو التضرع والمبالغة في السؤال.

قوله: (وإعلام بما يوجب حسن الإجابة) هو عطف على قوله: "تعليم"، والمشار إليه بلفظة "وهذا"، المذكور من قوله: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ) إلى قوله: (حُسْنُ الثَّوَابِ). وأما بيان الابتهال والمبالغة في السؤال فهو أنه قرن بكل من (رَبَّنَا) الوسيلة إلى إجابة الدعاء، فعلق بالأولى قوله تعالى: (مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً) وقد تقرر أن المراد به المعرفة والإتيان بالطاقة والاجتناب عن المعصية، وبالثانية قوله: (إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلْ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ)، وفيه مبالغة في الاستعاذة، وبالثالثة قوله: (أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا)، وأي وسيلة أسنى من الإجابة بالإيمان! وبالرابعة قوله: (فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا)، فرتب طلب الحاجة على الوسيلة، وقد اشتمل على: التخلية عما لا ينبغي من تكفير الذنوب والسيئات، والتحلية بما ينبغي من الانخراط في سلك الأبرار، وبالخامسة الوعد على لسان الرسول، وهو كالختم؛ لأن الوعد واجب الوفاء من الكريم على لسان الصادق، والمراد بقوله: "ما يوجب حسن الإجابة" قوله: (فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ) الآية، يعني ختم الابتهال بذكر الأعمال ليؤذن أن الإجابة إنما كانت بسبب أنهم أتوا بتلك الأعمال السنية، وفيه إشارة إلى أن لام التعليل في قوله تعالى: (أَنِّي لا أُضِيعُ) مقدر، وينطبق عليه قول الحسن: إلا أنه أتبع ذلك، يعني أنه تعالى أخبر أنه استجاب لهم لكن بشرط رافع الدعاء، أي: العمل الصالح، وهو قوله: (فَالَّذِينَ هَاجَرُوا) الآية، وإنما سمى العمل برافع الدعاء لقوله تعالى: (وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) [فاطر: ١٠].

<<  <  ج: ص:  >  >>