ورُوي: أنّ أمّ سلمة قالت: يا رسول اللَّه، إني أسمعُ اللَّه تعالى يذكرُ الرّجالَ في الهجْرةِ ولا يذكرُ النساء؛ فنزلت (فَالَّذِينَ هاجَرُوا): تفصيل لعمَلِ العاملِ منهم على سبيلِ التعظيم له والتفخيم، كأنه قال: فالذين عَمِلوا هذه الأعمالَ السنيّة الفائقة، وهي المهاجَرَةُ عن أوطانِهم فارّين إلى اللَّه بدينهم من دار الفتنة، واضطرّوا إلى الخروج من ديارهم التي وُلدوا فيها ونشؤوا بما سامهم المشركون من الخسف
قوله:(تفصيل لعمل العامل منهم)، واللام في "العامل" للعهد، والمجمل هو العمل المضاف إلى عامل، وكان من حق الظاهر أن يقال: فالمهاجرة حكمها كذا، وتحمل مشقة الجلاء عن الأوطان كذا، وتحمل أذى الكفار والمجاهدة في سبيل الله بالقتال كذا، لأن تفصيل العمل هذا، فعدل منها إلى إعادة ذكر العامل بالموصول وإيقاع الأعمال صلة لها ليدل على العامل وعلى العمل مزيداً لتقرير تلك الأعمال وتصويراً لتلك الحالة السنية، تعظيماً للعامل وتفخيماً لشأنه، ثم في بناء الخبر، وهو قوله:(لأكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ)، على المسند إليه الموصول مع إرادة القسم، وتكرير اللام في (وَلأدْخِلَنَّهُمْ): إشعار بأن هذه الكرامة لأجل تلك الأعمال الفاضلة والخصائل النابهة، وأن لابد من تحقيق كل من هذين الوعدين، على سبيل الاستقلال.
قوله:(واضطروا إلى الخروج): عطف على قوله: "عملوا هذه الأعمال السنية"، وفيه إيذان بأن قوله:(وَأُخْرِجُوا)، والأفعال المذكورة بعده: عطف على قوله: (هَاجَرُوا) عطف المفصل على المجمل تفصيلاً لعمل العامل، فالمراد بقوله:(هَاجَرُوا) المهاجرة من جميع المألوفات، فيدخل فيه المهاجرة عن الشرك والأوطان والنفس والمال والأهل والأولاد، ولذلك قال:"فارين إلى الله بدينهم"، والمراد بقوله:(وَأُخْرِجُوا): الهجرة المتعارفة، وهي الخروج من الديار، ولو قيل: والذين عملوا جميع هذه الأعمال السنية الفائقة وأخرجوا وأوذوا وقاتلوا